معيار الإنسانية، ودليل كمال العقل، أن يحترم الإنسان نفسه، ويحاول – ما استطاع- أن يلتزم مستوى رفيعا، فلا ينزل عنه، فلا يشغل نفسه بما لا يعنيه من شؤون الناس وأمورهم، لأن ما ينتظره من الأعمال الجادة، التي تفرض نفسها،
وتجري في مجرى حياته، هي جديرة بالعناية والاهتمام، والقيام بها أولى، أما صرف الوقت فيما لا يعني من ملاحظات وانتقادات لا تدل إلا على خفّة العقل، وصغر النفس، فذلك مضياع للوقت النفيس الذي يجب أن ينفق فيما يعني ويفيد، قال صلى الله عليه وسلم:" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
وهكذا يسمو الإسلام بإنسانه إلى الكمال الممكن في هذه الحياة، فلا يدعه ينحط إلى الحضيض باستسلامه إلى هواه، وباشتغاله بسفاسف الأمور، وهامشيات الحياة. وفي حديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" المؤمن القوي خير وأحب من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا، أو كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان".
والناس حسب هذا الحديث أصناف متفاوتون في الإيمان والعمل الصالح، فقوي الإيمان تدفعه عزيمته وإيمانه إلى الأعمال الصالحة، فتراه مقداما في كل عمل يقربه من الله تعالى، ويُعلى شأنه في هذه الحياة، أما ضعيف الإيمان فإنه دون سابقة حيوية ونشاطا، وإقداما وعملا، وهو وإن تأخر عن الأول إلا أن فيه خيرا لتوفر استعداده بالإيمان وإن أهمله، ولم ينمه كما نماه الأول، ولعل بيت القصيد في هذا الحديث هو قوله:" احرص على ما ينفعك" فالمؤمن لا يدع فرصة يستطيع فيها كسب مال أو جاه، أو علم أو معرفة، أو تربية مفيدة، أو مذاكرة ومدارسة، إلا انتهزها واستغلها، ولا أشد على النفس ألما يوم القيامة وفي هذه الحياة حينما تصحو النفس، ويستيقظ الضمير من ضياع الوقت فيما لا يعني مما لا يتعلق بحياته المادية ولا بحياته الأدبية!
منقول.