دعا الله تعالى عباده إلى أن يدعوه ليلاً ونهاراً، وأن يسألوه سراً وجهراً، ووعدهم أن يجيب دعاءهم، فقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }[غافر60]، وقال تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }[البقرة:186]، وجعل الله تعالى لإجابة الدعاء شروطاً، فمن استوفاها يُرجى لدعائه أن يستجيبه الله تعالى، ومنها:
1/ الإخلاص لله في دعائه، وأن يبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويختم بذلك.
2/ حضور القلب، والتضرع والخشوع والرغبة والرهبة والجزم في الدعاء واليقين بالإجابة.
3/ الابتعاد عن المعاصي والتوبة منها، وترك المظالم، وإطابة المطعم والمشرب والملبس لأن أكل الحرام يمنع إجابة الدعاء وعلى الداعي أن يتعرف على الأوقات والمواطن التي يستجاب فيها الدعاء، فمن هذه الأوقات:
أ/ الدعاء في الثلث الأخير من الليل، وهو وقت يتودد الله فيه إلى عباده بإجابة دعائهم وقضاء حوائجهم، وغفران ذنوبهم، وكذلك الدعاء باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سئل به أعطى.. قال الإمام المناوي رحمه الله في فيض القدير: ”وخص أخر الليل لأنه وقت التعرض لنفحات الرحمة وزمن عبادة المخلصين ولأنه وقت غفلة واستغراق نوم والتذاذ به ومفارقة اللذة والدعة صعب سيما لأهل الرفاهية فمن آثر القيام لمناجاته والتضرع إليه فيه دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه فلذلك خص ذلك الوقت بالتنزل الإلهي الرحمني، وفيه أن الدعاء في الثلث الأخير مجاب وتخلفه في البعض لخلل في الداعي أو الدعاء”.
ب/ وكذلك الدعاء عند نزول المطر، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وعند إقامة الصلاة، وفي دبرها، وعند السجود، وعند رؤية الكعبة، وعند التقاء الصفوف..
ج/ كذلك الدعاء يوم الجمعة في الساعة الأخيرة منه، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: ”فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ”.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: ”قَالَ الْقَاضِي: اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي وَقْت هَذِهِ السَّاعَة وَفِي مَعْنَى قَائِم يُصَلِّي، فَقَالَ بَعْضهمْ: هِيَ مِنْ بَعْد الْعَصْر إِلَى الْغُرُوب، قَالُوا: وَمَعْنَى يُصَلِّي يَدْعُو، وَمَعْنَى قَائِم: مُلَازِم وَمُوَاظِب كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائِمًا} وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مِنْ حِين خُرُوج الْإِمَام إِلَى فَرَاغ الصَّلَاة، وَقَالَ آخَرُونَ: مِنْ حِين تُقَام الصَّلَاة حَتَّى يَفْرُغ، وَالصَّلَاة عِنْدهمْ عَلَى ظَاهِرهَا، وَقِيلَ: مِنْ حِين يَجْلِس الْإِمَام عَلَى الْمِنْبَر حَتَّى يَفْرُغ مِنْ الصَّلَاة، وَقِيلَ: آخِر سَاعَة مِنْ يَوْم الْجُمُعَة، قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ رُوِيَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلّ هَذَا آثَار مُفَسِّرَة لِهَذِهِ الْأَقْوَال، قَالَ: وَقِيلَ: عِنْد الزَّوَال، وَقِيلَ: مِنْ الزَّوَال إِلَى أَنْ يَصِير الظِّلّ نَحْو ذِرَاع، وَقِيلَ: هِيَ مَخْفِيَّة فِي الْيَوْم كُلّه كَلَيْلَةِ الْقَدْر. وَقِيلَ: مِنْ طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس. قَالَ الْقَاضِي: وَلَيْسَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَال أَنَّ هَذَا كُلّه وَقْت لَهَا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُون فِي أَثْنَاء ذَلِكَ الْوَقْت لِقَوْلِهِ:” وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلهَا”، هَذَا كَلَام الْقَاضِي وَالصَّحِيح بَلْ الصَّوَاب مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا مَا بَيْن أَنْ يَجْلِس الْإِمَام إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاة”
د/وكذلك الدعاء عند شرب ماء زمزم مع النية الصادقة، لما روى الطبراني في الكبير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمَ فِيهِ طَعَامٌ مِنَ الطُّعْمِ وَشِفَاءٌ مِنَ السُّقْمِ”. وروى الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ماء زمزم لما شرب له، فإن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته مستعيذا عاذك الله، وإن شربته ليقطع ظمأك قطعه ”، قال: وكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال: اللهم أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاء من كل داء.
هـ/ وكذلك الدعاء في ليلة القدر، وفي رمضان، ودعاء الصائم، ودعاء المسافر، ودعاء المظلوم، و دعوة الوالد، لما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم”
وأما المواضع التي يستجاب فيها الدعاء فهي الأماكن المشهود لها بالبركة، وورد الأثر الصحيح بشأن إجابة الدعاء فيها، ومنها: الدعاء عند الكعبة، وخاصة عند الحجر الأسود، وعند الملتزم، وهو الجزء الواقع بين باب الكعبة والحجر الأسود، لما روى البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه كان يلزم ما بين الركن والباب، وكان يقول: ما بين الركن والباب يدعى الملتزم لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، وعند الركن اليماني، وأثناء الطواف، وعند شرب ماء زمزم، و الدعاء على الصفا والمروة، والدعاء عند المشعر الحرام، والدعاء في يوم عرفة لمن كان بعرفة، والدعاء عند رمي الجمار، وفي أيام منى لمن كان بمنى، وفي الروضة الشريفة بين قبره صلى الله عليه وسلم ومنبره.
ومع ذلك العطاء الإلهي الموقوف على سبب من الأسباب، سواء كان السبب قولاً لسانياً أو فعلاً أركانياً كإنفاق بالمال مثلاً، فإن هذا تشريع متعلِّق بوعده الصادق، والوعد الصادق لا يتخلف، لكن لا يعني أن يعطي الله في الحال، وربما يجعله في المآل، فحكمته تعالى تقتضي أحياناً تعجيل إجابة الدعاء، وأحياناً تقتضي تأخيره أو ادخاره في الآخرة، وأحياناً تقتضي أن يصرف عنه مثلها من الشر.
وقد يستجمع العبد أسباب الإجابة من الآداب وشرف الزمان والمكان وتتخلف الإجابة، فلله تعالى في ذلك حِكم، فإن اقتضت حكمته تعالى تعجيل الخير لعبده عجَّل له ذلك، وإن اقتضت حكمته أن هذا العطاء بمقتضى الوعد الصادق لا يصلح إلا في الدار الآخرة أخَّرها له رحمة بعبده، وقد تقتضي حكمته أن يصرف عنه من الشر مثلها، فعلى هذا ينبغي للعبد ألا يستعجل، ولا يظن السوء بوعد الله الصادق..
منقول.