إن السمة الغالبة على المجتمع الجزائري اليوم هي العنف، وهذا النمط السلوكي الآخذ في التجذر فيه، يشكل خطرا على أمنه واستقراره، وديمومته واستمراره، ويؤثر سلبا على علاقات أفراده، ويعرقل حركة دورته الاقتصادية، بل ويؤثر على تطوره العلمي والتقني.
والأدهى من ذلك كله والأعظم، هو أنه يصيبه بنزيف حاد، إذ يدفع أفراده إلى هجرته والانتقال إلى مجتمع آخر تتوفر فيه أسباب الحياة الآمنة المستقرة، وبما أن الهجرة لن يقدر عليها إلا الذين يتوفرون على شروطها كالقدرة على دفع تكاليف السفر والإقامة، وإتقان اللغات الأجنبية، والتكوين العلمي والمهني الجيد، فإن ذلك يعني أن نخبة المجتمع هي التي ستنتقل منه إلى سواه، أي أنه سيحرم جراء ذلك من أفضل قدراته الإنتاجية والخدماتية، وذلك ما سيؤثر سلبا على وتيرة نموه وازدهاره، ويجعله يقع فريسة للانحطاط والتخلف، ولهذا تعتبر قضية التصدي للعنف وضرورة مواجهته مسألة بالغة الأهمية، لأنها بالنسبة للمجتمع تعتبر قضية حياة أو موت ، فلابد للقائمين على شؤون المجتمع أن يأخذوا هذه المسألة بعين الاعتبار، ويولونها كبير العناية وبالغ الاهتمام، وعليهم أن يركزوا في معالجتهم لهذه الظاهرة على الأسباب والدواعي لا على المظاهر والأعراض، وليعلموا ، أنه إن كانت لهذه الظاهرة أسباب اقتصادية، فإن لها كذلك أسباب أخرى جديرة بالاعتبار، ومنها على وجه الخصوص الأسباب التاريخية و الثقافية، فالشعب الذي عاش ما ينيف على القرن والثلث وهو يناضل الاستعمار لينتصر عليه في النهاية بفضل ثورته المسلحة، قد استقر في ذهنه أن العنف هو الحل الأمثل لمواجهة الآخر، و الشعب الذي ظل طيلة عقود وهو يسمع من قادته السياسيين، ورادته، الفكريين أنه ما قهر أعداءه إلا بقوة السلاح، لا بقوة الخلق الكريم، والفكر النير القويم، من الطبيعي أن ينزع إلى العنف ويتبناه منهجا وسلوكا، ويرضاه أسلوبا للحياة، أي أن العنف تحول عندنا إلى ثقافة مهيمنة غالبة، تشكل المواقف، وتوجه السلوك، والدليل على ذلك أن الابن بات يضرب أباه، والبنت تقسو على أمها، والزوج يقتل زوجته، والزوجة تغتال حليلها، والتلميذ يعتدي على زميله بل حتى على معلمه ذاته، أي أن العنف انتقل من الخارج إلى الداخل، ومن الشارع إلى البيت والمدرسة،وهذا معناه أن علينا لمواجهة العنف السائد في المجتمع، أن نعمد إلى تغيير الذهنيات، ولاشك أن هذه الذهنيات لن تتغير بتشديد العقوبات وحدها، وإلقاء مرتكبي العنف في غياهب السجون فحسب، بل الأمر يتطلب مراجعة خطابنا السياسي والثقافي، وأهم من هذا وذاك، أن نعطي أكبر مساحة في منظومتنا التربوية للبعد الروحي والأخلاقي، والتركيز في هذا الجانب على ما يدعو إلى حسن معايشة الآخر، والنظر إليه باعتباره شريكا نافعا، لا خصما منازعا، ولابد من تكفل وسائلنا الإعلامية من إذاعة وتلفزة ومسرح، بالدور المنوط بها في هذا الجانب، فتخصص الحصص الإذاعية والمتلفزة والمسرحيات، التي تمجد الابتكار والابداع، وتشيد بالانضباط السلوكي، والالتزام الأخلاقي، لتقويم السلوك، وتهذيب الأخلاق، حتى يسهم ذلك في بعث ثقافة بديلة تزاحم وتنافس الثقافة الداعية إلى العنف والمحرضة عليه، دون أن نغفل الأسباب الأخرى التي مكنت للعنف هيأت له المناخ الملائم والبيئة الحاضنة، شأن البطالة وانتشار المخدرات والتدخل في شؤون القضاء الذي يسر إفلات بعض مرتكبي العنف من العقاب، مما شجعهم على تكرار أفعالهم التي لم يعاقبوا عليها، كما يدفع بالمظلومين إلى الاقتصاص بأنفسهم من الذين لم تنصفهم العدالة منهم، ذلك هو السبيل الذي أر اه كفيلا بوقف تيار العنف الجارف، الذي أقض المضاجع وقلَّب المواجع
منقول.