الرحيم
1- أعظم قائد.
لم
تعرف البشرية من قديم الزمان إلى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وبعده
قائدا مثله في القدرة على بناء الأمم ورعايتها، وفي حكم الشعوب وسياستها،
وفي تغيير الأوضاع السيئة وإصلاحها.
فمن
كان يصدق أن أمة مثل العرب في أميتها وبداوتها وتخلفها، يمكن أن تصبح في
يوم ما خير أمة أخرجت للناس تؤمن بالله، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر،
وتكون شاهدة على غيرها من الأمم، كما قال تعالى: {كُنتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ
الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ
وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110]، قال ابن كثير رحمه
الله "يخبر الله تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم"، وعن أبي
هريرة قال: "خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا
في الإسلام".
وكما قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}
[البقرة: 143]، قال الطبري رحمه الله: "وأرى أن الله تعالى ذكره إنما
وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه، غلو النصارى الذين
غلوا بالترهب، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه، تقصير
اليهود الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبيائه، وكذبوا على ربهم، وكفروا
به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور
إلى الله أوسطها".
ولا
شك أن إحداث هذه النقلة النوعية والتغيير الجذري مهمة صعبة كانت تتطلب
فيما تتطلب من الوسائل والآليات إلى قائد معجزة تتوفر لديه كل مقومات
القيادة الناجحة: من العلم، والصبر، والقوة، والأمانة، وغيرها من سائر
المقومات.
وكل
من عرف النبي صلى الله عليه وسلم ووقف على فصول سيرته العطرة، أدرك ما
كان يتمتع به صلى الله عليه وسلم من تلك المقومات، قال تعالى: {هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}
[الجمعة: 2]، وفي الآية الكريمة ذكر لأهم وسائل وآليات التغيير عند النبي
صلى الله عليه وسلم وهي "تلاوة الآيات القاطعة الموجبة لليقين" و"تزكية
الأنفس" و"تعليم الكتاب والحكمة"، قال ابن كثير رحمه الله: "ذلك أن العرب
كانوا قديما متمسكين بدين إبراهيم الخليل عليه السلام، فبدلوه وغيروه،
وقلبوه وخالفوه، واستبدلوا بالتوحيد شركا وباليقين شكا، وابتدعوا أشياء لم
يأذن الله بها، وكذلك أهل الكتاب قد بدلوا كتبهم وحرفوها، وغيروها
وأولوها، فبعث الله محمدا صلوات الله وسلامه عليه بشرع عظيم كامل لجميع
الخلق، فيه هدايتهم والبيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم ومعادهم،
والدعوة إلى ما يقربهم إلى الجنة ورضا الله عنهم، والنهي عما يقربهم إلى
النار وسخط الله تعالى، حاكم فاصل لجميع الشبهات والشكوك والريب، في
الأصول والفروع وجمع الله تعالى – وله الحمد والمنة – جميع المحاسن ممن
كان قبله، وأعطاه ما لم يعط أحدا من العالمين، ولا يعطيه أحدا من الآخرين،
فصلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين".
ولقد
كان الصحابة الكرام رضيَ الله عنهم مدركين لهذه العظمة القيادية في النبي
الكريم صلى الله عليه وسلم وكانوا يذكروها ويشكرونها، وقد لخص الصحابي
الجليل جعفر بن أبي طالب آثار رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ومجمل
مقاصدها العظمى في خطبته أمام النجاشي فقال: "كنا قوما أهل جاهلية: نعبد
الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل
القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه
وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد
وآبائنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء
الأمانة، وصلة الرحم وحسن الجوار، والكف عن المحارم، ونهانا عن الفواحش،
وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة..."، وعدد أمورا من مقاصد
الرسالة ومكارم البعثة.
2- أكبر معلم.
إن
من أبرز ملامح شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم (المعلمية)، فقد كان
صلى الله عليه وسلم يؤدي العبادة أمام صحابته الكرام رضيَ الله عنهم،
ليعلمهم كيف يؤدونها تامة صحيحة في أوقاتها وأماكنها، وصورها وأشكالها، "عن
علقمة عن عبد الله قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال:
فكبر فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه فركع"، وهكذا كان صلى الله
عليه وسلم يعلمهم سائر العبادات.
وكان
صلى الله عليه وسلم يخوض بهم المعارك ويقاتلون إلى جنبه، ليتلقوا منه ومن
داخل الميدان وتحت ظلال السيوف والرماح أخلاقيات الحرب وأحكام التعامل مع
الأعداء في مواطن النصر وفي حالات الهزيمة "فعن بريدة عن أبيه قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا أوصاه في خاصته بتقوى الله،
ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: "اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا
من كفر بالله، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا..."صحيح مسلم (3 / 1356).
، وفي الحديث "استحباب وصية الإمام أمرائه وجيوشه بتقوى الله تعالى،
والرفق بأتباعهم، وتعريفهم ما يحتاجون في غزوهم، وما يجب عليهم، وما يحل
لهم، وما يكره، وما يستحب..."شرح صحيح مسلم (12 / 37)..
وكان
صلى الله عليه وسلم عليه وسلم يخالطهم في بيوتهم وأسواقهم وسفرهم وحضرهم،
ليربيهم على الآداب الحسنة والخصال المرضية، فيأمرهم بالمعروف، وينهاهم
عن المنكر، "فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني"صحيح مسلم (1/ 99)..
وكان
صلى الله عليه وسلم حكيما في التعليم والتلقين يراعي الفروق الفردية بين
الناس، ويلاحظ تفاوتهم في الفهم والإدراك، واختلافهم في الظروف والأحوال،
ويشهد على ذلك تنوع أجوبته صلى الله عليه وسلم عن ذلك السؤال المتكرر من
أصحابه رضيَ الله عنهم "ما أحب الأعمال إلى الله تعالى؟" إذ ورد عنه صلى
الله عليه وسلم الجواب بأنه: (الإيمان بالله)، وأنه: (الصلاة على وقتها)،
وأنه: (ذكر الله تعالى)، وهلم جرا.
كما
كان صلى الله عليه وسلم يراعي اختلاف الأزمنة والأمكنة، "فعن عبد الله بن
أبي بكر عن عبد الله بن واقد قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعمرة،
فقالت: صدق، سمعت عائشة تقول: دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادخروا ثلاثا، ثم تصدقوا بما بقي"،
فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من
ضحاياهم، ويجملون منها الودك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وما ذاك؟" قالوا: نهيت عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث!، فقال: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت، فكلوا، وادخروا، وتصدقوا"
صحيح مسلم (3 / 1561).وكان
صلى الله عليه وسلم رفيقا في التصحيح والتصويب لمن أخطأ في الفهم أو أساء
في العمل، "فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد،
فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوه، وهريقوا على بوله سجلا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" صحيح البخاري (1 / 89).،
وفي الحديث آية على حكمته صلى الله عليه وسلم في التعليم ورفقه على
الجاهلين المقارفين لما يأباه الشرع والعقل والطبع، فلو ترك الصحابة
يمنعون هذا الأعرابي من بوله الذي ابتدأه في المسجد فأضروه بما يقطعون من
بوله، وللطخوا أجزاء أخرى من المسجد، وقد يبغضون إليه الدين وأهله لشدتهم
عليه، وكل ذلك مفاسد لا تعادل مفسدة البول الواقع منه في مكان واحد من
المسجد.
"و
عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم
بأبصارهم، فقلت واثكل أمياه!
ما
شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم
يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي
ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني، ولا
ضربني، ولا شتمني، قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيه شيء من كلام الناس،
إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"، قال النووي رحمه الله: "قوله:
"بأبي وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه..." فيه بيان ما
كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى
له به، ورفقه بالجاهل، وحسن تعليمه، واللطف به، وتقريب الصواب إلى فهمه".
وجميع ما أوردناه مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت معلما" .
3- خير الناس لأهله صلى الله عليه وسلم
النبي
الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في الميزان الاجتماعي أيضا هو خير الناس
لأهله على الإطلاق، كما قال في الحديث: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم
لأهلي"سنن الترمذي (5/ 709) وسنن ابن ماجه (1 / 236).
، قال المباركفوري في التحفة: "أي لعياله وذوي رحمه، وقيل لأزواجه
وأقاربه"، والصحيح – والعلم عند الله – أن الأهل يشمل جميع من ذكر من
الأزواج والأولاد والأقارب.
- فهو صلى الله عليه وسلم خير زوج لنسائه.
سواء
في حالة الانفراد كما كانت مع أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضيَ الله
عنها، أو في حالة التعدد كما كان مع من اجتمعن عنده من النساء بعد خديجة
وكن أحدى عشرة رضيَ الله عنهن، فقد كان صلى الله عليه وسلم يؤدي جميع
حقوقهن بالعدل، لا يفرق بينهن في المعاملة، يعاشرهن بالمعروف، ويخلص لهن في
المحبة، في حياتهن وبعد مماتهن، قال ابن كثير رحمه الله: "وكان من أخلاقه
صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف
بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نسائه، حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين
رضيَ الله عنها يتودد إليها بذلك، ويجتمع نسائه كل ليلة في بيت التي يبيت
عندها، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها،
وكان ينام مع امرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء، وينام
بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام
يؤنسهم بذلك"(17).
- خير أب لأولاده صلى الله عليه وسلم.
ذكورا
كانوا أو إناثا، كلهم عنده في الجب والمعاملة والرعاية سواء، لا يفرق بين
أحد منهم لجنس أو سن، كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، تفضل الذكور على
الإناث وتحتفل بالكبار والشجعان الأقوياء دون الصغار والضعفاء.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن الحسن والحسين رضيَ الله عنهما: "هما ريحانتاي من الدنيا" صحيح البخاري (1 / 1371).
، قال ابن حجر رحمه الله: "والمراد بالريحان هنا الرزق، قاله ابن التين،
وقال صاحب الفائق: أي هما من رزق الله الذي رزقنيه، يقال: سبحان الله
وريحانه: أي أسبح الله وأسترزقه ويجوز أن يراد بالريحان المشموم، يقال:
حباني بطاقة ريحان، والمعنى أنهما مما أكرمني الله وحباني به، لأن الأولاد
يقبلون ويشمون، فكأنهم من جملة الرياحين".
وكان
صلى الله عليه وسلم يجمع بين ما يفرقه أكثر الآباء وأغلب الوالدين من
تربية الأولاد وتنشئتهم على الخير والفضيلة، وتلبية حاجات الطفولة من لعب
وترفيه وتدليل.
فقد
كان يربي وينشأ أولاده من نعومة أظفارهم على الخير والفضيلة، فيغرس في
قلوبهم الإيمان ويجبب إليهم الطاعة، ويعودهم الأخلاق الحسنة، كل ذلك عملاً
بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا
يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
وفي
المقابل كان صلى الله عليه وسلم يتفهم طفولة أولاده وصغاره الذين في
حجره، "فعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يخطب، فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: "صدق
الله ورسوله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن: 15] رأيت ولدي هذين، فلم أصبر حتى نزلت" ثم أخذ في خطبته"المستدرك على الصحيحين (1 / 424) صحيح ابن خزيمة (3 / 153). .
يقول الأديب الكبير عباس محمود العقاد (بل كان محمد مثال الأب حيثما كان له نسل قريب أو بعيد، وذكر وأنثى، وصغير وكبير).
- خير قريب لأقربائه.
من
كمال خيرية النبي صلى الله عليه وسلم لأهله أن يكون خير الناس لأقاربه من
عصبته وذوي رحمه، على اختلاف جهاتهم ومنازلهم ودرجاتهم.
فقد
كان النبي صلى الله عليه وسلم يساعد الفقير من أقاربه ويواسيه، ويعطي
المعدم منهم ويؤويه، ويصل القريب منهم والبعيد، ويوصي الأمة من بعده
برعاية أهل بيته وذوي قرابته وإكرامهم "عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم
الثقلين: كتاب الله وعترتي، كتاب الله حبل ممدود إلى السماء، وعترتي أهل
بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض،
فانظروا كيف تخلفوني فيهما" الطبقات الكبرى لابن سعد (2 / 192)..
هذه
وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل قرابته إلى جميع أمته من بعده،
فمن الناس من حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفظه في قرابته
باحترامهم وحبهم والإحسان إليهم كما يحب الله ورسوله، وعلى رأس هؤلاء
العاملين بوصية النبي صلى الله عليه وسلم في قرابته خلفائه الراشدون وسائر
صحابته الكرام رضيَ الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان من بقية أجيال الأمة
الإسلامية.
ومن
الناس من قصر في حق القرابة النبوية الشريفة، فلم ير لهم فضلا على غيرهم
من الناس، فلم يرع لهم حقا أو يؤد نحوهم واجبا، وهؤلاء هم الجفاة، وآخرون
من أهل القبلة غلوا في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فرفعوهم فوق
منازلهم، واعتقدوا فيهم ما لم ينزل الله به من سلطان، وافتعلوا الخصومات
والعداوات الوهمية بينهم وبين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين كل
من خالفهم من المسلمين في مذهبهم المنحرف، وهؤلاء هم الغلاة.
- خير سيد لخدمه.
كان
تحت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد من الموالي والخدم، وكان لهم
صلى الله عليه وسلم نعم السيد والمولى، يطعمهم مما يطعم، ويلبسهم مما
يلبس، ويتعامل معهم بأحسن الأخلاق، "عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إخوانكم جعلهم الله فتية تحت أيديكم، فمن كان
أخوه تحت يده، فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه،
وإن كلفه ما يغلبه فليعنه" صحيح البخاري (5 / 2248) صحيح مسلم (3 / 1283)..
وكان
صلى الله عليه وسلم يحسن لخدمه ومواليه الكلام، ويخفف عنهم المهام،
ويعفوا عنهم ويصفح إن هم أخطئوا أو قصروا في شيء من واجباتهم، "عن عائشة
رضيَ الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل
الشيء لم يقل ما بال فلان، ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا"،
و"عنها أيضا رضيَ الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
خادما ولا امرأة قط".
هكذا
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع علاقاته الاجتماعية وتعاملاته
الإنسانية في غاية الإحسان والبر، وفي قمة المودة والرحمة، ينزل الناس
منازلهم، ويؤدي لهم حقوقهم دون نقصان، ولا يظلم أحدا منهم في صغير أو كبير
صلى الله عليه وسلم.