عجائب العرب العشر
فاروق جويدة
من كان يتصور ان البترول نعمة الله علينا.. وهذه الثروة التي نبتت بالخير تحت اقدامنا سوف تضيع بهذه الصورة القاسية.. لا أحد يعلم حجم عائدات البترول في الدول العربية خلال نصف قرن من الزمان ولكن الرقم كبير جدا.. ومخيف جدا.. واذا بحثت أو تساءلت اين ضاعت هذه الثروة فسوف تجد كوارث كثيرة تسللت اليها.. ضاعت في حروب لا جدوي منها.. وضاعت في صفقات لا عائد من ورائها.. وضاعت في النوادي الليلية وبيوت الدعارة واوكار الشمامين والسكاري في عواصم العالم.. وضاعت علي اجهزة القمع واستلاب حريات الشعوب.. وضاعت في البنوك الاجنبية التي تحولت الي خزائن لنهب المال العام.. وتحاول ان تبحث الآن وتتساءل ماذا بقي من اموال النفط.. وتكتشف انه لم يبق شيء غير مجموعة من الطرق.. والمواصلات.. والمدارس التي يتخرج فيها الجهلاء والجامعات التي ترعي الأمية.. وما بين حروب خاسرة.. واجهزة قمع شرسة.. وحسابات سرية ضاعت اكبر فرصة للتحضر والتقدم والنمو البشري في تاريخ الانسان العربي.
* من يصدق انه لا توجد دولة عربية واحدة غير مدينة.. ابتداء من ديون الحكومات العربية التي لا تدفع حصتها لجامعة الدول العربية وانتهاء بديون مستحقة للدول والمؤسسات المالية.. والبنك الدولي وصندق النقد.. كل العرب مدينون.. ومدانون.. ولو انناحسبنا دخل كل مواطن عربي من اموال البترول لكان كافيا لان ينفق عليه مائة عام قادمة.. ولو اننا حسبنا كم من الدين علي كل مواطن عربي الآن لاكتشفنا اننا نحتاج الي مائة عام قادمة لسداد ديون العرب.. وهذا يعني اننا اضعنا مائتي عام من مستقبل هذه الأمة المائة الأولي في ضياع ثروتها.. والمائة الثانية في الاستدانة علي مستقبلها وسداد ديونها.
* من يصدق أن في العالم العربي الآن اكثر من حرب اهلية حتي وان كان بعضها لم يستخدم السلاح بعد.. هناك دول قديمة بدأت رحلتها مع الموت مبكرا مثل الصومال.. وهناك دول التأمت جراحها قليلا مثل لبنان.. وهناك دول مازالت تنزف مثل السودان.. وهناك دول لم تستطع ان توقف نزيفها مثل الجزائر وهناك كارثة اخري حلت بنا أخيرا وهي معارك الفصائل الفلسطينية مع بعضها بعضا.. وفي السعودية مواجهات دامية.. وفي اليمن حرب أهلية.. هذه هي أحوال العالم العربي الآن حيث عادت اشباح الصراعات والخلافات والانقسامات تهدد مستقبل هذه الأمة..
في جنوب السودان لم تهدأ الأحوال الا قليلا حتي اشتعلت مأساة دارفور.. والقوات الأجنبية جاهزة علي الحدود.. وفي المطارات.. ان قوات فرنسا في تشاد.. وانجلترا تستعد للعودة الي منابع النيل وامريكا تريد ان تكون في كل مكان.. وإسرائيل تراقب من بعيد. تساقط الجياد واحدا بعد الآخر.. ويسأل الانسان نفسه وسط هذا الدمار من يعيد لهذه الأمة مصادر قوتها حتي تواجه الطوفان.
* من يصدق برغم كل ما في هذه الأمة من ثروات أنها مازالت حتي الآن تتصدر قوائم الدول الاكثر امية.. والاكثر بطالة.. والاكثر فقرا.. والاكثر تصحرا.. والاقل في مستوي التعليم والقراءة.. وهذه الدول هي اغني دول العالم في الموارد وافقرها في حياة الشعوب.. لم تستطع دولة عربية واحدة ان تواجه مشكلة الامية وتقضي عليها.. ولم تستطع دولة عربية واحدة ان تقول انها انتهت من أزمة البطالة.. أو أوجدت فرص عمل لشبابها الحائر.. قد تختلف النسب بين دولة واخري ولكن الكل شريك في المأساة.
* من يصدق ان في كل العواصم العربية الآن طابورا خامسا يرحب بعودة الاستعمار ويتباكي علي ايامه الخوالي ويفتح له القلوب والبيوت والافئدة.
مئات الاقلام تكتب كل يوم وهي تدافع عن المحتل القادم سواء حمل شعارات العولمة وحقوق الانسان والمرأة المظلومة أو دخل بالدبابات واحتل الأرض واغتصب النساء ونهب الموارد.. من زمان مضي ماتت الشعوب في سبيل استقلال ارادتها وترابها الوطني.. والآن تحتفل الشعوب بعودة جلاديها.. والغريب ان المواطن العربي لا يكتفي بجلاد واحد ولكنه أختار لنفسه جلادا مقيما.. وجلادا محتلا.
* من كان يصدق ان الشعوب العربية التي خرجت للشوارع يوما تحتفل باستقلالها وتحرير أرضها من المستعمر المحتل لا تستطيع الآن ان تخرج في نفس الشوارع لتطالب بحريتها في ان تبدي رأيها أو تعلن رفضها لأي شيء.. منذ اكثر من عام لم تخرج مظاهرة في عاصمة عربية تندد بالاحتلال الامريكي للعراق.. أوبانتهاك حرمة النساء في أبوغريب. أو بإقامة الجدار الفاصل في الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي يموت علي أرضه كل يوم أمام عدو غاشم واداة قهر ظالمة. وهاهي القوات الأجنبية تتجه الآن الي دارفور في السودان.. والغريب في الأمر ان نتصور ان القوات الاجنبية هي التي تحمي عروشنا.. والدبابات الامريكية هي التي ستعيد حرياتنا.. وهذا كله يؤكد حالة الضياع التي تعيشها شعوب هذه الامة والافكار المشوهة التي تسكن عقولها فأفقدتها البصر والبصيرة.
* ما بين احلامنا التي رسمناها علي ضفاف سنوات العمر.. ومابين الواقع الذي نراه الآن كالاشباح فوق رؤوسنا مرت عشرات الوجوه البعض منها مازال شاخصا امامنا لم يتغير.. والبعض الآخر استنسخته الأقدار فظهر امامنا في صور لا تغيب لحظة عن عيوننا.. ومابين الشخوص والاستنساخ لم نر شيئا جديدا لان الوجوه التي طاردت سنوات عمرنا مازالت تصر علي ان تسرق البقية الباقية فيه.. وليست لنا حيلة.
* اعرف انني كتبت هذا الكلام قبل ذلك في اكثر من صورة.. واعلم ان ما كتبته اليوم لن يغير شيئا.. واعلم ان هذا الحبر الذي ينزف من شرايين العمر لا يعني أحدا.. فلا أحد طلب منا ان نكتب.. ولا أحد أمرنا ان نسكت.. ولكننا للأسف الشديد اكتشفنا بعد ان رحل العمر وتسربت سنواته اننا نحرث في البحر..
الكاتب : فاروق جويدة .