من أنتم ايها المعلمون و من أنتن أيتها المعلمات ؟
في
الحقيقة كلام الله - عز وجل - وفي منهج رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وفي
دين الإسلام ، وفي واقع الحياة ، وفي مستقبل الأمة ، ينبغي أن نركز هذا تركيزاً
نظرياً ، وأن يكون أيضا قضية فكرية وشعورية تلامس القلب والنفس ، حتى يمكن أن
يتحمل المعلم الاخطاء الواقعة في المجتمع ، لفهم مهمته ، ولفهم منـزلته ومكانته.
من
أنتم ايها المعلمون نقولها في برقيات سريعة :
1- أنتم
المرفوعون ؛ أي عند الله - سبحانه وتعالى - :{ يرفع الله الذين امنوا منكم والذين
أوتوا العلم درجات} .
2ـ أنتم
المندوبون عن الأمة . كما قال - جل وعلا -: { فلو لا نفر من كل فرقه منهم طائفة
ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون } .
3ـ انتم الوارثون
، أي الوارثون لأعلام النبوة كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( العلماء
ورثة الأنبياء ) .
4 ـ أنتم
المأجورون ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - بيّن عظمة الأجر الذي يلقاه معلم
الناس الخير في قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله
) .
5 ـ أنتم
المحسودون ، أي حسد الغبطة التي ينبغي إذا فهمها أهل الإيمان أن يتنافسوا فيها ، و
يتسابقوا اليها ، ويتكالبوا عليها ، كما في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم - : (
لا حسد الا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ، و رجل آتاه
الله الحكمة فهو يقضي بها و يعلمها ) .
6- أنتم المورثون
كما كنتم وارثون ؛ فانتم تورثون كما اخبر النبي – صلى الله عليه وسلم - بخصيصة
عظيمة لأهل العلم ، فيظن بعض الناس إنها جزئية لهم ، وذكر بعض العلماء إنها كلية
في حديثه - صلى الله عليه وسلم - :( إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث :
صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ).
ما نصيب أهل العلم من هذا الحديث ؟. هو قوله : ( أو علم ينتفع به ) ، لكن ذكر بعض
أهل العلم أن أهل العلم من المعلمين لا يأخذون هذا الجزء فقط ، وإنما الأجزاء
الثلاثة كلها ؛فإن التعليم في حد ذاته صدقة ؛ لأن فعل الخيرات كانت صدقة يقول ابن
جماعة في كتابه عن التعليم: وشاهد ذلك حديث النبي – صلى الله عليه وسلم - ، ولما
جاء الرجل بعد انقطاع الصلاة ، قال : من يتصدق على هذا ؟ ففعل الخير في حد ذاته
صدقة ، فتعليمك الرجل صدقة منك عليه .
ثم علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ، و ما أكثر ما يكون الطلبة أكثر دعاء من
الأبناء ، فبذلك يكون المعلم ممتد أجره ، و مورث لفضله و خيره بهذه الصورة الشاملة
، التي ذكرها العلماء - كما أشرت - .
7ـ أنتم الأولون
؛ فكل أحد ليست له بداية إلا بالتعليم .
بل إن الله - عز وجل - قد أشار في قوله - سبحانه وتعالى -:( فاعلم أنه لا إلا الله
) دلالة على أن العلم هو الطريق الى الإيمان . وعقد الإمام البخاري فصل في كتاب
العلم من صحيحه قال:" باب العلم قبل القول والعمل " .
فإذا هو الأول في الاقتصاد ، والأول في القول والأول في العمل ، والأول في واقع
الحياة .
انظر إلى الوزراء والمدراء ، والأطباء والمهندسين والفقهاء ، كلهم كانوا يوماً من
الإيام تلاميذ مروا عليك في فترة من الزمن ، وتلقوا على يديك بعضاً من العلم .
ولو أنك علمتهم القراءة والكتابة ، فيظن بعض الناس أن معلم الابتدائية هذا في أدنى
المراتب وفي أحقرها ، لكنك يوما ستجد عظيماً من العظماء ، أو عالماً من العلماء ،
سيذكر الذي علمه الف وباء ، والكتابة ، وكيف ربما كان يخطئ فيها ويعلمه إياه ،
وكيف ربما عاقبه على عدم اجادته فيها في أول أمره ، فهذه المفاتيح كلها ، وهذه
المراتب كلها ، وهذه المناصب كلها إنما انت بادئها ، وأنت فاتحها ، وأنت الأول
فيها .
8 ـ أنتم
المجاهدون ؛ وهذا ذكره العلماء بما يدل على فقههم ، وعميق علمهم ، ذكره الخطيب
البغدادي في كتابه[الفقيه و المتفقه ] عندما ذكر أن سبيل الله - عز وجل - يشمل
التعليم والجهاد و قال ما ملخصه: " إن الجهاد حماية لبيضة الإسلام ، بالدفاع
عن المسلمين ، وأن التعليم حماية للمسلمين بالحفاظ على الدين".
ولذلك يقول ابن القيم - رحمة الله عليه - في هذا المعنى بعبارة ضافية عندما أشار
إلى أن العلم هو نوع من الجهاد في سبيل الله - : إنما جعل طلب العلم من سبيل الله
- عز وجل - لأن به قوام الإسلام - كما أن قوامه بالجهاد العلم والجهاد معا - فقوام
الدين بالعلم والجهاد ، ولهذا كان الجهاد نوعين :
1- جهاد باليد والسنان وهذا لمشارك فيه كثير.
2- جهاد بالحجة والبيان ، وهذا جهاد الخاصة من اتباع الرسل وهو جهاد الأئمة ؛ وهو
أفضل الجهادين لعظمة منفعته ، و شدة مؤنته وكثرة أعدائه ثم استدل بقول الله - عز
وجل - في سوره الفرقان المكية : { ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً * فلا تطع
الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً } قال : هذا الجهاد لم يشرع بعد ، فالمراد به
جهادهم بالقرآن والبيان والحجة الداحضة التي تبين الحق ، وتقيم الدليل عليه.
وعندما يقول قائل : لماذا يطلق مثل هذا القول في كلامه - رحمه الله عليه - عندما
قال : و هو أفضل الجهادين ، فنقول : إن الجهاد المعروف إنما تعرف فضيلته ، و تعرف
أحكامه ، و تعرف أهدافه و غايته من خلال العلم ، فالعلم هو السابق على الجهاد ،
وهو الممهد له ، وهو المهيج عليه ، وهو المبين لغاياته وأهدافه ، وبالتالي هو الذي
ينشئه في النفوس انشاءً ، ويبينه في العقول بياناً واضحاً شافياً .
9ـ أنتم
المدافعون عن الأمة في أخلاقها ، وفي تفكيرها ، وفي حضارتها وفي تقدمها ؛ فإن
المعلم كأنما هو أعظم مجاهد في واقع الأمر . لماذا ؟.
لأنه يجاهد الجهلة بالتعليم ، ويجاهد الحماقة بالتقويم ، ويجاهد الشطط بالاعتدال ،
ويجاهد الخمول والكسل بالتوجيه إلى الجد والعمل ، يواجه أموراً كثيرة ، ثم هذا كله
يصوغه ويجاهد به في نفوس متغيرة ، وأفكار متبدلة ، وعواطف متأججة ، فعمله صعب شديد
، وأثره عندما يتحقق بإذن الله - عز وجل - قوي ومديد .
ولذلك عندما يريد أعداء الأمة ، أو تريد جهة من الجهات أن تؤثر في مجتمع ، أو في
أمة ؛ فإن أوكد اهتمامها ، وأولى همها أن تتوجه إلى التعليم ، وتغير المناهج ،
وهذه خطورة ، تصوغ المعلمين ، وإذا عملت في هذين الجانبين ، استطاعت أن تدمر كل
المقومات ، استطاعت أن تزعزع العقائد في النفوس ، واستطاعت أن تحرّف السلوك ،
واستطاعت أن تغيّر طرائق التفكير ، استطاعت أن تجعل هناك الهزيمة النفسية ، إلى
آخر ذلك مما يعلم في قضايا الغزو الفكري ونحوه ، فالمعلمون هم المدافعون عن هذه
الأمة عندما يقومون بواجبهم على النحو المطلوب .
10ــ
أنتم
المصلحون لما يفسده الآخرون ؛ فقد يفسد الطالب أهله ، وقد يفسده مجتمعه ؛ وقد
يفسده أحيانا ما يسمعه وما يراه أو ما يقرأه . ومهمتك أن تصلح كل هذا . لماذا ؟
لأن المعلم أثره مستمر ، يبقى مع الطالب وقت طويل و سنوات عديدة ، و من خلال مواقف
متكررة من خلال تدريس وتعليم ونشاط وغير ذلك.
بينما المخربون الآخرون أحيانا يكون دورهم مقصور ، إما مقصوراً بالوسائل ، أو
مقصوراً في الوقت والزمن ، فيبقى عامل الاصلاح في المعلمين أغلب و أنجح وأكثر
تأثيرا واستمرارية من غيره إذا هم أتقنوه وأحسنوه ، وكما يقول البشير الابراهيمي -
الذي كان رئيساً لجمعية العلماء في الجزائر في اوائل هذا القرن - للمعلمين :
" أنتم معاقد الأمل في إصلاح هذه الأمة ؛ فإن الوطن لا يعقد رجائه على
الأميين الذين يريدون أن يصلحوا فيفسدون ، ولا على هذا الغثاء من الشباب الجاهل
المتسكع الذي يعيش بلا علم ولا عقل ولا تفكير ، ولا الذي يغط في النوم ما يغط ،
فإذا افاق على صيحة تمسّك بصداها ، و كررها كما يكرر الببغاء " .
فنحن نرى أن المعلمون هم المصلحون و هم المقومون .
فإذا كنت - أخي المعلم - مرفوعاً عند الله مندوباً عن الأمة ، ووارثاً لأعلام
النبوة ، ومأجوراً من الله - سبحانه و تعالى - ، ومحسوداً من أهل الإيمان والصلاح
، ومورثاً لكثير من الخير يمتد به أجرك ، وأنت من المجاهدين في سبيل الله - سبحانه
وتعالى - ومن المدافعين عن هذه الأمة ، ومن المصلحين فيها ، والمقيمين لأمرها و
شانها ، فمن أنت يا أخي ؟