لا شك أن الإنسان معرض للخطأ والميل عن الحق والصواب، فقد جاء في الحديث: ((كل بني آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون))( رواه الترمذي وابن ماجة)، ومن حق المسلم على أخيه المسلم أن يبصره بعيوبه وأخطائه، وأن ينصح له في أمره وشأنه، لكن ينبغي أن يكون النصح برفق وحكمة، وليحذر المسلم من احتقار أخيه واتهامه بمجرد الظن، فإن الظن أكذب الحديث، وكفى به شرا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم))( رواه مسلم).
فإذا سمعت – أخي القارئ - عن أخيك المسلم شيئا تكرهه فلا تبادر إلى تصديق ما يقال لك عنه؛ بل يجب عليك أن تتثبت حتى تستيقنه، فإن كثيرا من الناس اعتاد إشاعة السوء بالباطل، وكثيراً منهم من إساءة الظن عنده أسرع من حسن الظن.. قالت بنت عبد الله بن مطيع لزوجها طلحة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم وكان طلحة أجود قريش في زمانه قالت: ما رأيت قوما ألأم من إخوانك، قال لها: مه مه! ولم ذلك؟ قالت: أراهم إذا أيسرت لزموك، وإذا أعسرت تركوك، فقال لها: هذا والله من كرم أخلاقهم، يأتوننا في حال قدرتنا على إكرامهم، ويتركوننا في حال عجزنا عن القيام بحقهم، فانظر كيف تأول طلحة صنيع إخوانه معه، وهو ظاهر القبح والغدر بأن اعتبره وفاء وكرما.
فإذا رأيت أخاك المسلم قد ارتكب خطأ لا مجال فيه لعذر أو شبهة، وجب عليك أن تتقدم إليه بالنصيحة سرا، بينك وبينه لا أمام الناس، فإن الإنسان لا يقبل أن يطلع أحد على عيبه، فإذا نصحته سرا، كان ذلك أرجى للقبول، وأدل على الإخلاص، وأبعد عن الشبهة، وأما إذا نصحته علنا أمام الناس فإن في ذلك شبهة الحقد والتشهير، وإظهار الفضل والعلم، وهذه حُجُب تمنع من استماع النصيحة والاستفادة منها، ولقد كان من خلق النبي وأدبه في إنكار المنكر وتبيين الحق، أنه إذا بلغه عن أحد أو جماعة شيء مما ينكر فعله لم يذكر أسماءهم علنا، وإنما كان يقول: ((ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا))، فيفهم من يعنيه الأمر أنه هو المراد بالنصيحة، وهذا يعتبر من أرفع أساليب النصح والتربية.
قال الشافعي - رحمه الله -: “من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه”. فالمؤمن الناصح ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له، وإنما غرضه إزالة المعصية التي وقع فيها، قال تعالى: “إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون” [سورة النور:19]. وعقوبة من أشاع السوء على أخيه المؤمن وتتبع عيوبه وكشف عورته أن يتبع الله عورته فيفضحه ولو بعد حين إلا أن يتوب.
إن من مظاهر التعيير والتشهير: إظهار وإشاعته في قالب النصح، زاعما أن ما يحمله على ذلك هو التحذير من أقواله وأفعاله، والله يعلم أن قصده التحقير والأذى.
ومن بلي بشيء من هذا المكر بأن اُحتقر وعُيِّب وتُنُقِّص منه فليتق الله وليصبر فإن العاقبة للتقوى: “ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله”[سورة فاطر:43].
نسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد، وأن يرزقنا قلوباً سليمة، وألسنة صادقة، وعلما نافعا، وعملا صالحا.
إن بعض الناصحين والناقدين في المجالس، وبعض الكتاب في الصحف وغيرها يقعون في بعض الأخطاء والهفوات التي تسبب النُّفرة، بحيث تصبح النصيحة فضحية، والتذكير تشهيرا، وهذا ما لا يرضاه الإسلام، قال ابن رجب - رحمه الله -: “اعلم أن ذكر الإنسان بما يكره محرم إذا كان المقصود مجرد الذم والعيب والنقص، أما إن كان فيه مصلحة لعامة المسلمين أو خاصة لبعضهم، وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة، فليس بمحرم بل مندوب إليه، وقد قرر علماء الحديث هذا في كتبهم في الجرح والتعديل وذكروا الفرق بين جرح الرواة وبين الغيبة، وردوا على من سوى بينهما من المتعبدين وغيرهم ممن لا يتسع علمه، ولا فرق بين من تقبل روايته منهم ومن لا تقبل”.
فإذا كان المقصود هو تبيين الحق فهذا داخل في النصيحة، وإذا كان المقصود هو تنقص القائل وتبيين جهله وقصوره في العلم فهذا محرم، سواء أكان رده لذلك في وجه من يرد عليه أم في غيبته، وسواء أكان في حياته أم بعد موته، وهو داخل في قوله : ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراته يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته)) [رواه أبو داود وغيره (عون المعبود:13/224)].
يجمل بالمسلم إذن أن يقف سدا منيعا يذب ويدافع عن عرض أخيه وسمعته ولا سيما إذا ذكر أمامه بما يكره قال صلى الله عليه وسلم : ((من رد عرض أخيه المسلم رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)) [رواه الترمذي].
ولتكن-أخي القارئ- واثقا من أخيك مطمئنا إليه فلا تؤول كلامه إلا بخير ما دمت تجد في الكلام محملا حسنا حتى تكون سعيدا في دينك ودنياك، وحتى تنجو يوم القيامة: “يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم” .