شهر رمضان من أجلِّ الشهور عند الله عز وجل وأعظمها قدرا يُضاعف الأجر فيه لعباده الصالحين الذين يعيشون نهاره بالصيام وليله بالقيام فتصفوا نفوسهم من رواسب العام، ويرتقوا في مدارج السالكين ليصبحوا من المتقين حقا، لأن رمضان مدرسة للتقوى من دخلها بإخلاص واجتهاد حقق منزلة }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ { ويا لها من مرتبة عظيمة، ولهذا قال الله تعالى في كتابه الحكيم مخاطبا المؤمنين:
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {البقرة183.
يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن:
" وهكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم . . إنها التقوى . . فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة، طاعة لله، وإيثارا لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس في البال، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله، ووزنها في ميزانه. فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم. وهذا الصوم أداة من أدواتها، وطريق موصل إليها. ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم هدفا وضيئا يتجهون إليه عن طريق الصيام. . (لعلكم تتقون). . ".
ولهذا يلمس المؤمن أثر رمضان في نفسه بعد انقضائه فيجدها - وقد ذاقت حلاوته - تطيع الله فلا تعصيه، وتذكره فلا تنساه، وتشكره فلا تكفره...
ورَغِم أنف امرئ أدرك رمضان وخرج منه مثلما دخله لم يتغير منه شيء ولم ينل الرحمة والغفران مع عتقائه الفائزين بالجنان. فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة". رواه الترمذي عن أبي هريرة وبعضه في مسلم.
إن تضيع أيام رمضان في اللهو واللعب دون اغتنامها في تهذيب النفس وجني الحسنات، كسر لا يجبر أبدا إلا إذا رحم الله رب العالمين، لأن هذه الأيام المباركة ليست كباقي الأيام الأخرى ويكفي أن في رمضان ليلة هي خير من ألف شهر، }لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ{، فهل يعقل أن يغفل المؤمن عن هذا الخير العظيم الذي لا يقدر بثمن ؟!. نسأل الله أن يرزقنا صوم رمضان إيمانا واحتسابا حتى تُغفر ذنوبنا ونكون من الفائزين لا من الخاسرين، آمين.
منقول.