هذه بعض المواقف المضيئة في الإرشاد الإسلامي المستفاد من واقع حياة ومعاملات الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، وفيها موجة من الصبر الجميل والموعظة البالغة، وفيها أيضا عبرة لمن يشاء أن يعتبر، وهداية لمن يجب الاهتداء إلى الصواب.
إنها مواقف متجددة مع الظروف، ومع تغير الفصول، ولذلك يحسن الاستعداد إليها، وهي تستحق التسجيل والتأمل لكي ترسل ضوءها الذي ينير الطريق إلى الحق المبين بالاعتماد على طاقة الصبر الجميل، والرحمة المهدئة للهيجان العاطفي والفضيان النفسي، وخاصة عند الموت والمرض والجوع والمتاعب الأخرى..فقد أخرج ابن سعد عن أنس بن مالك، رضي الله عنهما، قال: رأيت ولد النبي – إبراهيم- يجود بنفسه بين يدي والده رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فدمعت عيناه فقال: "تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون" ، هذا وأخرج أحمد والطبراني أن "فاطمة" ناولت أباها الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، كسرة من خبز الشعير، فقال لها: ما هذه؟ فقالت له: قرص خبزته، فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة منه، فقال لها: "هذا أول طعام أكله أبوك منذ ثلاثة أيام.."، وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: دخلت على النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، فوجدته يصلي جالسا، فقلت له: يا رسول الله، أراك تصلي جالسا، فما أصابك؟ قال: الجوع يا أبا هريرة، فبكيت، فقال لي، لا تبك، يا أبا هريرة، فإن شدة الحساب يوم القيامة، لا تصيب الجائع، إذا احتسب في دار الدنيا.
ومن مواقف الرحمة لدى الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، أنه كان يتعرض للأذى والضرب والسخرية والاضطهاد، فيقول: اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، ويوم النصر وفتح مكة، وكان المشركون قد آذوه أي الرسول، صلى الله عليه وسلم، من قبل فيقول إلى صفوان بن أمية وأبي سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، وغيرهم من الزعماء.. مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته، وتلا قوله تعالى:{ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، وفي مواطن الرفق والحلم، تتجلى قوة الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، جلاء ناصعا في معاملاته، فقد روى أحمد عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: ما ضرب الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، بيده خادما له قط، ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا تخير بين أمرين أو شيئين قط، إلا كان أحبهما إليه أيسرهما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس عن الإثم، ولم ينتقم لنفسه من شيء يؤتى به إليه، حتى تنتهك حرمات الله، فينتقم له، وإذا كان الكرم في شريعتنا الإسلامية طريقا إلى الجنة، والبخل طريقا على جهنم، فقد كان كرم رسولنا محمد، صلى الله عليه وسلم، لا يجارى ولا يبارى، فقد أخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه قال: كان الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، أجود الناس، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان المعظم، حين يلتقي جبريل، عليه السلام، إذ كان جبريل يلتقي به كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن الكريم طيلة الشهر.
وفي موقف التواضع حدِّث ولا حرج، ومما يروى في هذا الشأن أن الرسول محمدا، صلى الله عليه وسلم، كان في سفر مع أصحابه، رضوان الله عليهم، فتوقفوا من التعب، وأرادوا أن يهيئوا طعاما، فاقتسموا الإعداد بينهم، فقام الرسول، صلى الله عليه وسلم، لجمع الحطب، فأراد أصحابه أن يكفوه عن ذلك العمل احتراما وتقديرا، فأبى وقال: إن الله يبغض الرجل الذي يتعالى على رفاقه. ويروى في هذا المجال أيضا أنه عندما وقف أعرابي أمامه يرتجف خشية ورهبة منه، ذكره بأنه ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد..وخرج يوما على جماعة من أصحابه يتوكأ على عصا فهموا بالوقوف له، فقال لهم: لا تقوموا، كما تقوم الأعاجم، يعظم بعضهم بعضا.
والملاحظ أن خصال الصبر والصدق والأمانة والتواضع، خصال ملازمة لشخصيته، عليه الصلاة والسلام، وجلبت إليه محبة الجميع من حوله، وقد كان، عليه الصلاة والسلام، إذا لقي من يفرح بنجاح أصابه شاركه فرحه، وإذا لقي مصابا حزينا شاركه حزنه بالتخفيف عنه، إنه شديد الرفق والمواساة، وكان، صلى الله عليه وسلم، حريصا على المعاملة الحسنة لزوجاته أمهات المؤمنين، فقد أخرج أحمد عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: فتغضبت يوما على امرأتي، فإذا هي ترجعني، فأنكرت منها ذلك، فقالت: ما تنكر أن أراجعك، فو الله أن أزواج الرسول، صلى الله عليه وسلم، ليراجعنه وتهجره الواحدة منهن اليوم إلى الليل، فانطلقت فدخلت على حفصة، فقلت لها: أتراجعين رسول الله، عليه الصلاة والسلام، قالت نعم: فقلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر" ورسولنا محمد، صلى الله عليه وسلم، معلم ومتمم الأخلاق اللازمة لحياة الأمم الراقية علما وعملا، فقد خرج الإمام أحمد أن الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، قد تحددت مهمته الأساسية في التربية والتعليم، كما جاء في سورة الجمعة قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(الجمعة: 2)، إنها مسعى لإيقاظ الطاقة وتنبيه الملكات للانطلاق في الطريق القيم.
منقول