خُلق اليوم هو رأس الأخلاق وهو مقياس قربك من ربنا سبحانه وتعالى ومقياس قبولك عنده، بل ومقياس حب الناس لك وتحريهم الأمانة فيك. ومن بات عنده هذا الخُلق، أصبح هو أقرب صديق للقلب، وأقرب زوج لزوجه، وأقرب ابن لأبويه، وأقرب أخ لإخوته. وصاحب هذا الخُلق أقرب الناس مجلسًا من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؛ لأن هذا الخُلق عمدة أخلاق النبي المشهورة عنه حتى قبل الإسلام. وإذا لم يتحل الإنسان به، يسقط من عين الله ولا يكون له مقام بجوار الصالحين، بل أنه يكون مكروهًا من أقرب الناس إليه. إن الخُلق الذي نتحدث اليوم عنه هو"الصدق"، أن يكون الإنسان صادقًا وليس كاذبًا. وقد أصبح الصدق من الأخلاق النادرة، بل وأصبح من النادر أن تجد الكثيرين من الناس مَنْ يصلون به لمبتغاهم، في حين تجد الكثيرين يستخدمون الكذب للوصول لمصلحة معينة فيتظاهرون بشيء ليس فيهم. والعلماء عندما تكلموا على الصدق قالوا:"هو استواء القول مع الفعل، واستواء القلب مع القول، وأن تصدق نية الشخص مع أفعاله"، فالصادق هو من جاء فعله مصدّقًا لقوله، ويكون ما أخفاه في قلبه متوافقًا مع الأثنين، وإلا كان كاذبًا. ولذلك يلوم الحق سبحانه وتعالى الذين لا يتسمون بالصدق فتتناقض أفعالهم مع أقوالهم، في قوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ" (سورة الصف: 2). ويأتي الصدق ليضع صاحبه في مرتبة عالية بعد مرتبة الأنبياء، وهي مرتبة الصديقين، التي تشرف بها أبو بكر الصديق رضي الله عنه. وتظهر لنا قيمة تلك المرتبة عند رؤية ملك الموت وهو يقبض روح الإنسان حيث يرى منزلته في الجنة أو مكانه في النار كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم، ويُنادَى عليه إما: يا أيتها النفس الطيبة أو الخبيثة. وعن النبي أنه قال: "مَن أحبَّ لقاءَ اللَّهِ أحبَّ اللَّهُ لقاءَهُ ، ومَن كرِهَ لقاءَ اللَّهِ كرِهَ اللَّهُ لقاءَهُ زادَ عمرٌو في حديثِهِ ، فقيلَ : يا رسولَ اللَّهِ ، كَراهيةُ لقاءِ اللَّهِ كراهيةُ الموتِ ، كلُّنا نَكْرَهُ الموتَ ، قالَ : ذاكَ عندَ موتِهِ ، إذا بُشِّرَ برحمةِ اللَّهِ ومغفرتِهِ أحبَّ لقاءَ اللَّهِ وأحبَّ اللَّهُ لقاءَهُ ، وإذا بُشِّرَ بعذابِ اللَّهِ كرِهَ لقاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لقاءَهُ"، وها هو أبو مسلم أحد كبار التابعين كان يقوم الليل وكان يضع بجواره عصا وكلّما آلمته قدمه ضربها وقال: "أنتِ أحق بالضرب من بعيري.. أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به عند الحوض والله لنزاحمنهم بأكتافنًا حتى يعلم "محمد" أنه قد خلَف رجالًا". ويقول العلماء إن الصدِّيق هو الذي يتحلى بالصدق ويُعرف به، قال رب العالمين: "وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفيقًا" (سورة النساء: 79)، وهذا يعني أن الصديقين في المرتبة التي تلي مرتبة الرُسل والأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين. أي من "الذين أنعمت عليهم" وهي الآية التي ندعو بها كل يوم 17 مرة فنقول: "صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ" (سورة الفاتحة: 7)، والذين أنعم الله عليهم هم الصديقون والشهداء والصالحون. وما أكثر الكذب في هذا الزمن، وما أكثر المشاكل التي تحل بالكذب، وما أكثر الخيانات التي تغطى بكذب. وقد تبرأ الصحابة والتابعون من هذا الفعل فنجد سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: "لأن يضعني الصدق وقلّ ما يفعل أحبّ إليّ من أن يرفعني الكذب وقلّ ما يفعل"؛ وهؤلاء هم الذين تربوا في مدرسة النبوة وأحبوا الرسول قولًا وفعلًا فصدقوا؛ لذلك لو كنت تحب النبي، تشبّه به واتبّع طريقه كما فعل الأولون.