للامانة منقول.
الصّاحب ساحب ، وتقول العامة " لا تصحب الردي فيرديك " ، إن أثر الرفيق على رفيقه والجليس على جليسه أثر ذائع بين سريع ، تماما كرائحة علقت بثيابك ، فلا يمكنك دفعها ولا إخفاؤها.
وكم عرفنا من أناس نسبت إليهم أمور ما فعلوها ، واتهموا بأشياء ما ارتكبوها ، كل ذلك بسبب مجالستهم لمن عرف عنهم السوء .
وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ يقول ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ, وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ, وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً, وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ, وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)) .
* ولعل مما يستشهد به في هذا الموضوع قصة حدثني بها والدي ، حدثت قبل نصف قرن بل يزيد في إحدى مناطق اليمن .وهي إن ّ رجلا وابنه وشخصا آخر تآمرواعلى أن يقطعوا الطريق على مندوب زكوات الدولة ، وكان يحمل أموالا مختلفة يجمعها من أصحابها ليوصلها إلى بيت المال .
فتحين الثلاثة الفرصة المناسبة في مكان خال من الناس ، حيث تمكنوا ذلك الرجل ، فنهبوا ما كان معه من مال وعندها خافوا إن تركوه أن يفضح أمرهم ، فهموا بقتله.
عند ذلك توسل إليهم الرجل أن يتركوه ويأخذوا ما لديه من مال على ألا يذكر معرفته لهم ، فأبوا. وهنا حاول أحد الثلاثة ـ وهو الابن ـ أن يثنيَهما عن فكرة القتل ، حيث إنهم لم يتفقوا عليه ، وأخذ يذكرهم بفداحة هذه الجريمة وسوء العقاب الذي ينتظرهم إن هم فعلوا ذلك وكشف أمرهم .
فما كان من أبيه إلا أن انتهره وهم بالفتك به ، ووسمه بالجبن ، ثم قام الاثنان بقتل الندوب المسكين .
مرت الأيام دون أن يكشف أمر القتلة ، وظنوا أنهم نجوا بفعلتهم ، لكن أقدار الله كانت لهم بالمرصاد.
لقد بدأت خيوط القضية تشير بأصابع الاتهام إليهم ، وسرعان ما فر أحدهم من وجه العدالة ، لكنه لم يفلح بذلك ، فجيء به وبالآخرين وهم يرسفون في القيود .
مثل الثلاثة أمام المحكمة مقرين معترفين ، وحكم عليهم جميعا بالقصاص ضربا بالسيف حتى الموت .
وجاءت ساعة التنفيذ ، تقدم الأول إلى ساحة الإعدام ، لكنه وقبل تنفيذ الحكم صاح بأعلى صوته قائلا :ـ
ـ أيها الناس أما أنا وفلان فإننا نحن من قتل صاحب بيت المال ، وهذا هو جزاؤنا العادل حيث لم نشفق عليه ولا على أولاده الصغار الذين يتِّموا بسببنا .
وأمَّا فلان ـ يقصد ثالثهم ابن القاتل الثاني ـ فأشهد لله أنه ما قتل ولا شارك في القتل وأنا أبرأ إلى الله من دمه .
وهنا ضربت عنقه ، فخر صريعا في دمائه .
ثم تقدم الأب ، تقدم وهو يرتجف خوفا ـ وهو الذي كاد من قبل أن يقتل ولده حين نهاه وحذره ـ تقدم ولم يثبت ، فضرب بالسيف ضربتان لم تبلغا منه مقتلا ، وهنا لكزه السياف بذباب سيفه ، و لوجع الطعنة امتدت عنقه ، فاختطفها السياف مثل البرق ، ليسقط معفراً بالتراب .
وحان الدور على الابن ، والذي حاول بدوره أن يفهم الجميع حقيقة ما حصل وحدث ، ولكن ولات حين مناص ، لم يكن كلامه إلا كلام رجل رأى السيف فأراد أن يتحيل لنفسه .
تقدم ثم أرخى عنقه قليلا ً فتدحرج رأسه أمامه فارا من جسده ، وكأنه يقول لصاحبه :ـ
" فارقتك للأنك لم تفارقهم.