الربُّ في اللُغة هو المربِّي والمالك والسيِّد والمُنعم، ولعلَّ أقرب المعاني إلى الإنسان أنَّه المربِّي فلفظ( الربّ ) مشتقٌ من التربية، فالله سبحانه وتعالى مربٍّ ومدبِّر لخلقه، والمربي له صفتان أساسيَّتان أنَّه مُمِدّ، وأنَّه يرعى، الذي يمدِّنا بما نحتاج هو ربُّنا، والذي يربِّي نفوسنا، ويهدينا إلى صراطه المستقيم، ويُلْجئنا إلى بابه هو ربُّنا. فالأب يوفِّر لأولاده حاجاتهم الماديَّة، ثم يربِّيهم ويرعى أخلاقهم ودينهم و تعليمهم ومستقبلهم ،فالأب يربِّي أولاده لكنه لم يخلقهم ولم يرزقهم، أما إذا قلنا: الله ربُّ العالمين: أي أنه خلقنا وأمدَّنا ووجَّهنا. فالإنسان في نعمٍ ثلاث .. نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، أوجدك ولم تكن شيئاً مِن قبل، وأمدَّك بما تحتاج، ثم هداك إليه. يقول تعالى: ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) ويقول تعالى: ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) لكأنَّ هذه الآية أشارت إلى تعريف الربوبيَّة .. فالإنسان يصنع آلة ويبيعها، أما أمرها بعد ذلك فبيد من اشتراها، لكنَّ الله سبحانه وتعالى أيُّ شيءٍ خلقه فهو بيده " أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ". أضف إلى هذا أن كل شيء خلقه الله عزَّ وجلَّ: صلاحُ أمرِهِ منوطٌ بخالقه، التوجيه الذي يسعده هو توجيه خالقه " أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ " أي ينبغي أن تتبع أمر الذي خلق. فالمعنى الأول .. " لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ " .. أي خَلَقَهُ وأمره بيده . المعنى الثاني .. أنَّ هذا الشيء الذي خُلق لا يصلُح ولا يستقيم أمره إلا إن اتبع أمر الذي خلق .. " لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " وفي شهر رمضان يعيش المرء مع اسم الرب حينما يربي خالقه نفسه ويهذبها بالصيام، وحينما يشعر بكل خلية في جسمه أنه مفتقر لشربة ماء أو لقمة طعام يمده بها خالقه ومربيه
د.راتب النابلسي