إذا كانت أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة، ورمضان مدرسة للتعلم والتعليم والتوبة والإنابة ومحطة للتزود بالطاعات والنوافل، كما أنه خلوة العابدين مع خالقهم في لياليه وأيامه، وإخلاص لله وحده في الطاعات والصيام، ورمضان دربة للنفس على المجاهدة والصبر على الطاعات وترك العصيان، فرصة للمغفرة والتوبة وغسل الأوزار والخطايا. رمضان بستان العارفين ولذة الطائعين وباب مفتوح للتائبين، فهلم نستقبله بتوبة وإنابة واستغفار وندم وعزم على الطاعة والثبات، عسى أن نكون فيه من المعتقين من النيران والمقبولين المنعمين في أعالي الجنان، هلم يا نفس إلى التوبة وإياك والتسويف والإعراض، يا نفس بأي شيء تستقبلين شهر الصيام، بإنابة وتوبة أم إعراض وإحجام؟ ألم يأن لك يا قلب أن تخشع لذكر الله وما نزل من الحق، أما آن يا نفس أن ينفعك وعظ وتذكير !
إلى متى وأنت في غفلة ورقاد، أتظنين أنك في الحياة معمرة؟، أنسيت القبور وأهلها والمقابر وسكانها والقيامة وأهوالها، أما علمت أن لكل أجل كتاب وبعد الأجل حساب، فإما ثواب وإما عقاب، كم في القبور من حسرات وكم فيها من زفرات، كم فيها من دركات ونيران وصراخ وعويل، النار يعرضون عليها غدوا وعشيا، كم في القبور من نفحات بر ونسمات كم فيها من جنات ونهر، كم فيها من نزل الجنة وفرش الجنة ولباس الجنة، وروح وريحان من الجنة، شتان بين منازل العابدين المشفقين ودرجاتهم، وبين مضاجع المفرطين ودكاتهم، أولئك في الجنان منعمون والآخرون في النيران معذبون.
يا نفس سبق العابدون وبلغوا المنازل، فهلا بركبهم تلحقين وفي طلب العلا تنافسين، ها هي نسمات الإيمان أطلت ورياح الجنان هبت ونفحات الرحمة تجلت، هذه الجنان تزينت وأبوابها تفتحت وهذه النيران تغيظ، وأبوابها أوصدت وهذه الشياطين كبلت وصفدت.
عودي إلى ربك فهذا أوان تنزل الرحمات وربك يفرح بتوبة عبده ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ولا يزال للعبد أمل في قبول التوبة مالم يغرغر، يا نفس.. ربك يناديك.. يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم.
استجيبي لربك وعودي إلى رشدك، وليكن رمضان هذا مفتاح تغيير حياتك وصفحة جديدة، ملؤها الطاعة والمحبة والخشية والرجاء والرغبة والرهبة، والإنابة والثبات.
هلم يا نفس إلى مجالس الإيمان ورياض الجنان ومداومة الصيام والقيام والعيش مع آيات القرآن، عسى تحفنا ملائكة الرحمن، فنكتب في الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، ونكتب في سجل المعتقين من النيران في هذا الشهر الكريم.