نعود للموضوع الذي كنا بدأناه، إن حلم أمريكا وإسرائيل لم يتحقق بعد، وخاصة بعد حدوث الأزمة الاقتصادية 2008 والصراع في جورجيا، فبدأ أمر أفول الغرب يتخذ جدية أكثر، وانتهاء عالم القطب الواحد، وبداية ولادة "عالم ما بعد الأمريكان" وهو ما عبر عنه ديفيد روش David Rocheقائلاً: إن ما وقع من انهيار في Wall Street إعلان عن تحول كلي، وعن بداية أفول القوة الأمريكية كما يقع في التاريخ للإمبراطوريات الكبرى، والحضارات في انتهاء القوة العسكرية وفقدها لعلوها وعتوها فيؤدي ذلك إلى سقوطها فوقائع الربيع العربي والمناورات السياسية العسكرية في بحر الصين الشرقي وتطورات الأزمة الأوكرانية، وغيرها مظاهر واضحة لانقلاب جيوستراتيجي يبدأ حركته بوضوح. وبدأ الدخول في مرحلة لا تدوم فيها السيطرة الدائمة للعالم العربي وإنهالم تعد مقبولة.
وإن الأفول النسبي للإمبراطورية الأمريكية الذي يهدده الصين في قيادتها، وأن الصين هي القوة العظمى مستقبلا، وكذلك القيادات الإسلامية التي تهدد الشيطان الأكبر وروسيا التي خرجت من ليل طويل بعد الاتحاد السوفيتي، والبلدان اللاتينية الأمريكية التي انفلتت من قيادة الولايات المتحدة، كما ورد ذلك في كتاب: الغرب المريض بالغرب، للكاتبين: مارتين بيلار، وجاك ديونL'occident malade de l'occident, par Martine Bulard et Jack Dion, Fayard, 2009 وطرح هذان المؤلفان سؤالين أساسيين إزاء هذا القلق الغربي:
1- باسم من يتجه الغرب للهيمنة الدائمة على العالم؟
2- بفضل أي مبادئ مقدسة لهذه القوات الجديدة التي لها تاريخها الخاص وتراثها وثقافتها وتقاليدها هل يلزمها أن تتبع قانون السيرة الحسنة تمليها عليها القوات القديمة؟
وكما قال الأستاذ السنغافوري كيشور ماهبوباني Kishore Mahbubane في بحث له: "إنه لمدة قرنين كان الآسيويون من طهران إلى طوكيو، ومن مومباي إلى شنغهاي متفرجين على تاريخ العالم عاجزين أمام اندفاع الغرب في ميادين التجارة، والفكر والقوة، ولكن هذا العصر تطور.
عادت آسيا إلى المسرح الذي شغلته منذ ثمانية عشر قرنا قبل انبثاق الغرب، لقد أدرك الآسيويون أفضل التطبيقات الغربية في عديد من الميادين الاقتصادية، وتكيفوا مع العلم والتقنية المبدعة، وأولوية الحق، وأصبحوا مبدعين بطريقتهم الخاصة، منشئين لنماذج جديدة من التعاون لا يعرفها الغرب، ويمكن لها منذ الآن إلى 2050 أن تصبح ثلاث اقتصاديات العالم الكبرى آسيوية: الصين، الهند، واليابان، فهل يمكن للغرب أن يعارض صعود آسيا؟ وهذا السيناريو يصبح كارثة فآسيا تريد أن تقلد لا أن تهيمن على الغرب، ولكن الغرب يلزم أن يشارك آسيا في القوة ويترك سيطرته الآلية على المؤسسات العالمية مثل البنك العالمي، ومجلس الأمن، لكن التاريخ يعلمنا أن انبثاق قوات جديدة يؤدي دائماً إلى توترات وإلى صراعات.
فهل يمكن تفادي هذه الصراعات؟
منقول