أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجلان ، والنبي وليس معه أحد حتى قال في آخره إنه: أبلغ أنه يدخل الجنة من أمته سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب فسأله الصحابة عنهم فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون·
والمقصود من هذا: أن المؤمن الذي استقام على أمر الله وترك محارم الله ومات على الاستقامة فإنه يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومنهم هؤلاء الذين أخبر عنهم صلى الله عليه وسلم _ لا يسترقون _ يعني: لا يطلبون من الناس أن يرقوهم، يعني: لا يطلبون الرقية، أما كونهم يرقون غيرهم فلا بأس؛ لأنه محسن، الراقي محسن إذا رقى غيره، ودعا له بالعافية والشفاء هذا محسن· في الحديث الصحيح: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه.
أما الاسترقاء فهو طلب الرقية، وهو أن يقول: يا فلان اقرأ علي· ترك هذا أفضل، إلا من حاجة، إذا كان هناك حاجة فلا بأس أن يطلب الرقية، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: استرقي من كذا فأمرها بالاسترقاء، كما أمر أسماء بنت عميس أن تسترقي لأولاد جعفر لما أصابتهم العين، قال عليه الصلاة والسلام: لا رقية إلا من عين أو حمة فالاسترقاء عند الحاجة لا بأس به، لكن تركه أفضل إذا تيسر علاج آخر، وهكذا الكي تركه أفضل إذا تيسر علاج آخر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: الشفاء في ثلاث: كية نار، أو شربة عسل، أو شرطة محجم، وما أحب أن أكتوي.
وفي اللفظ الآخر قال: وأنا أنهى أمتي عن الكي· فدل ذلك على أن الكي ينبغي أن يكون هو آخر الطب عند الحاجة إليه، فإذا تيسر أن يكتفى بغيره من الأدوية فهو أولى، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كوى بعض أصحابه عليه الصلاة والسلام، فإذا دعت الحاجة إلى الكي فلا كراهة، وإن استغنى عنه بدواء آخر مثل شربة عسل أو شرطة محجم، يعني الحجامة أو قراءة أو دواء آخر، كان أفضل من الكي، فالمقصود أن قوله صلى الله عليه وسلم: لا يسترقون ولا يكتوون لا يدل على التحريم وإنما يدل على أن هذا هو الأفضل، عدم الاسترقاء يعني عدم طلب الرقية وعدم الكي، هذا هو الأفضل، ومتى دعت الحاجة إلى الاسترقاء أو الكي فلا حرج ولا كراهة في ذلك·
_ ولا يتطيرون _ : التطير هو التشاؤم بالمرئيات أو المسموعات، والتطير الشرك من عمل الجاهلية··
منقول