abdelouahed
عدد المساهمات : 778 تاريخ التسجيل : 26/04/2014 العمر : 58 الموقع : ولاية بشار
| موضوع: الإمام ابن القيم·· المعلم الذي غذى العقول والطبيب الذي داوى القلوب الخميس يناير 22 2015, 14:38 | |
| كثير من الناس يظن ابن القيم مجرد امتداد لشيخه ابن تيمية؛ وذلك لحب ابن القيم الشديد له وتمسكه بآرائه·· وكثير منهم يصنّفونه من علماء الرقائق الذين كتبوا عن الوعظ والزهد فقط· لكن من يعرف ابن القيم حق المعرفة يدرك أنه كان منظومة ثانية متكاملة من العلم بعد ابن تيمية، أخرجت علومه عصارة ما درسه وحفظه ووصل له· ومن تابع المقال السابق عن شيخ الإسلام ابن تيمية·· المفترى عليه والذي عرض كيف كان ابن تيمية منظومة من العلم ونموذجاً للفقيه الشمولي الذي كان له في كل مجال باع؛ سيُدرك أن ابن القيم كان امتداداً لهذه المدرسة؛ فأخذ كل ما كان عند ابن تيمية وزاد عليه· وله على المسلمين الفضل العظيم في نصرة هذا الدين، وفي نشر السنة، وهو الذي ناظر المفسدين والمبتدعين وأصحاب الأهواء، وألّف في فلسفة الإسلام والعقيدة؛ حتى غدت مؤلفاته منابع خير يتلقّى منها الناس بَعده· حياته هو العلامة شمس الدين بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، المشهور بابن قيم الجوزية، ولاسمه هذا قصة طريفة؛ هي أن والده كان قيّماً (ناظراً) على مدرسة الجوزية الدينية، وكان من العلماء المعلّمين البارزين·· فعندما التحق ابن القيم بمدرسة والده أطلق الطلبة عليه (ابن قيم الجوزية) أي: ابن ناظر المدرسة، أو (ابن القيم) أي مختصراً (ابن الناظر)·· وبسبب هذا اللقب قد يقع البعض في الخلط بينه وبين الإمام الكبير أبي الفرج ابن الجوزي· وُلد في السابع من شهر صفر سنة 691هـ، والغالب أن ولادته كانت بدمشق· نشأ في جوٍ علمي، وكان حادّ الذكاء؛ فقد أتمّ حفظ القرآن وهو دون السابعة، وأول شيوخه كان والده الذي تربى على يديه وفي مدرسته·· وتلقى الفقه وبرع فيه وأفتى في سن صغيرة، وتفنّن في علوم الإسلام مثل: التوحيد، والتفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والفرائض، واللغة، والنحو، وكان عارفاً في التفسير لا يجارى، وسمع الحديث، واشتغل به وعني بالحديث ومتونه ورجاله·· وكان عالماً بعلم السلوك وكلام أهل التصوف وإشاراتهم ودقائقها· قال عنه الإمام الحافظ ابن حجر: (كان جريء الجنان، واسع العلم، عارفاً بالخلاف ومذاهب السلف)· سافر عدة مرات إلى مكة منقطعاً للعلم والعبادة، وله عدة رحلات إلى مصر أقام فيها، وعلّم، وناظر أصحاب العقائد والملل· ثم تتلمذ على يد الإمام ابن تيمية، وأدرك ابن تيمية بعينه الفاحصة الثاقبة نباهة ابن القيم وتميّزه، فاصطفاه من سائر تلاميذه، وضمه إليه؛ حتى صار ابن القيم أخصّ الناس بابن تيمية؛ فحمل عنه ابن القيم علومه كلها وآراءه وأفكاره وفتاواه ضد التصوف والبدع والعقائد المخالفة لعقيدة السلف؛ حتى سُجن معه في معتقل دمشق بسبب فتاوى الطلاق، وظل ملازماً له في سجنه، ولم يخرج إلا بعد وفاة شيخه ابن تيمية·· ثم لقي بعد ذلك المعاناة نتيجة إيمانه بآراء شيخه؛ حتى أنه كان لا يخرج عن شيء من أقواله·· وهو الذي نشر علمه بما صنّفه من التصانيف· تولى ابن القيم أعمالاً عديدةً، منها: الإمامة في المدرسة الجوزية، والفتوى، وقد تعرّض للسجن بسبب إصراراه على فتوى جواز طلاق الثلاث بلفظ واحد (أن تقع الطلقات الثلاثة كلها إذا قالها الزوج في لفظ واحد: طالق طالق طالق) وهي الفتوى المعمول بها الآن في بعض البلدان عدا مصر؛ على رأي بعض المذاهب·
رقّ قلبه فنفذت بصيرته عُرف رضي الله عنه بالزهد والورع وإطالة الصلاة والخشوع، وكان كثير البكاء والدعاء والمعاتبة لنفسه، شديد الخوف من التقصير والتفريط·· وهذه الأمور والخصال أكسبته قدرة كبيرة على الغوص في معاني الآيات والأحاديث ودقائق النفس البشرية، حتى أصبح كأنه من أشهر الأطباء النفسيين، ومن كبار خبراء علل القلوب وأمراضها وكيفية علاجها، حتى فاق كل معاصريه حتى أستاذه ابن تيمية، والإمام أبو حامد الغزالي· وقد أخذ عن شيخه زهده وانشغاله بالعلم ورسالة تعليم الناس؛ فكان قليل الاهتمام لأمر نفسه وحياته·· قال عنه تلميذه الإمام الحافظ ابن كثير: (لا أعرف في زماننا أكثر عبادة منه، له طريقة في الصلاة يمُدّ ركوعها وسجودها)· وقال عنه العلامة ابن رجب: (وكان ذا عبادة وتهجّد وطول صلاة وتألّه ولَهَجٍ بالذكر، وشُغف بالمحبة والإنابة والاستغفار، والافتقار إلى الله والانكسار له، والانطراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علماً، ولا أعْرَف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه)·
مؤلفاته كان لمؤلفاته عظيم الأثر في الدعوة إلى الأخذ بكتاب الله تعالى الكريم وسنة رسوله، وفهمهما على النحو الذي فهمه السلف الصالح وطرح ما يخالفهما من المبتدعات، وتجديد ما درس من معالم الدين الصحيح، وتنقية الزهد الإسلامي ممّا تسرّب إليه من أفكار بعض مضلّي الصوفية وخرافاتهم· وقد برع ابن القيم حين طرق باباً لا يطرقه المفكرون أو ذوو النزعة العقلية من علماء الأمة، وهو باب الزهد أو الرقائق؛ فجاءت جلّ مؤلفاته في هذا الجانب؛ لكنه كان فيها نموذجاً جديداً، لقي من القبول والنجاح ما لم يلقه وعاظ وخطباء ومشايخ لهم في هذا المجال باع طويل؛ وذلك لأنه استطاع بالعقل والمنطق أن يغزو قلوب الناس قبل عقولهم؛ فكانت نداءاته إلى تطهير القلب وعلاج أمراضه مشمولة بتحليل علمي لأسبابه، ثم خطوات علمية رصينة للتغلّب الناجح على هذه الأمراض؛ كما هو الوضع الحالي مع مدربي التنمية البشرية في مواجهة أدواء المجتمع؛ مع اختلاف القياس· وكان له رضي الله عنه حافظة عجيبة وقريحة سيالة؛ حتى إنه كتب مجموعته _زاد المعاد في هدي خير العباد_ في السيرة النبوية وهو عائد من رحلة الحج، ولم يكن معه أية مراجع أو مصادر يرجع إليها في تأليفه· أثرى المكتبة الإسلامية بمجموعة ضخمة من المؤلفات في شتى فروع العلم من التفسير، والأصول، والحديث، والرقائق والزهد، والوعظ، منها على سبيل المثال (وهي أكثر من أن يجمعها مقال): - في أصول الفقه _إعلام الموقّعين_· - وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم (زاد المعاد في سيرة خير العباد)· - وفي الرقائق: (إغاثة اللهفان _ ومدارج السالكين _ بدائع الفوائد _ الداء والدواء _ وشفاء العليل _ الزهد والورع)· - وفي الفقه _أحكام أهل الذمة_· - وفي الحديث _المنار المنيف في الصحيح والضعيف_· - وفي العقيدة: (هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى _ شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر)· - وفي الطب _الطب النبوي_ الذي جمع فيه بين أصول الرقية الشرعية وعلاج الروح، وأدوية أسقام وأوجاع البدن· - وله كتاب في تفسير القرآن العظيم· وفاته توفي -رحمه الله- في 13 رجب سنة 751 من الهجرة النبوية، وكانت جنازته حافلة، شهدها القضاة والأعيان والصالحون من الخاصة والعامة، وتزاحم الناس على حمل نعشه، ودُفن بمقبرة الباب الصغير بالجامع الأموي بدمشق· رحم الله إمامنا ابن القيم، ونفعنا بعلمه، ورزقنا الهداية على طريقه وطريق سلفنا الصالح
منقول | |
|