الأزهر الشريف يعرب عن "بالغ قلقه" من سيطرة "داعش" على مدينة تدمر وإمكانية تدمير آثارها، كما فعل بآثار الموصل قبل أشهر قليلة، ويدعو المجتمع الدولي إلى التدخل لإنقاذها من "المصير المظلم" الذي ينتظرها، ويعتبر الدفاع عنها "معركة الإنسانية بأكملها" ويفتي بحرمة تهريبها وبيعها.
هو الموقف الثاني الذي يُتخذ من الهيئات الدينية بمصر تجاه الآثار، بعد الموقف الذي اتخذته دار الإفتاء المصرية منذ أشهر فور إقدام "داعش" على تخريب تحفٍ أثرية بمتحف الموصل، إذ قالت دار الإفتاء آنذاك بأن الأمر غير جائز شرعاً، والصحابة الكرام لم يتعرّضوا أبداً لأي تماثيل بأي منطقة فتحوها، ولم يعتبروها أصناما تُعبد من دون الله ولم يهدموها، وقد مرّ الصحابة الفاتحون، ومنهم عمر بن العاص، بتمثال أبي الهول قرب الأهرامات خلال فتحهم لمصر، ولم يقوموا بتدميره...
مبدئياً، يبدو موقف الأزهر وكذا دار الإفتاء المصرية سليماً ومنطقياً؛ فالآثار هي كنوز تاريخية لا علاقة لها بالأصنام التي تُعبد من دون الله، وتدميرها لن ينفع المسلمين في شيء، وتركها لن يضرّهم في شيء، وما قامت به "داعش" في الموصل قبل أشهر يزيد عداوة العالم لها مجاناً، وقد كان الأفضل عدم التعرّض لها، ونأمل أن لا تتعرّض الآن لآثار تدمر التي تؤدي وظيفة سياحية فحسب؛ إذ كانت قبل اندلاع الأزمة السورية في منتصف مارس 2011، تستقطب نحو 150 ألف سائح سنوياً، ما يدرّ على البلد مداخيل مهمّة بالعملات الصعبة.
ولكن هذا "الاهتمام البالغ" للأزهر بالآثار واستغاثته بالمجتمع الدولي لحمايتها، يدفعنا إلى التساؤل: لماذا لم يُبدِ الأزهر "قلقه البالغ" تجاه سكان تدمر وكل الشعب السوري الذي يتعرّض لمحنةٍ قاسية منذ أزيد من أربع سنوات، وقد قتل منه نحو رُبع مليون شخص، ونصفُه مشرّد في الداخل والخارج؟
وقبل ذلك، لماذا لم يعرب الأزهر عن "قلقه البالغ" من القمع الدموي الذي يتعرّض له المتظاهرون العزّل في مصر منذ نحو عامين؟ ولماذا سكت عن أحكام الإعدام الجماعية التي تصدر تباعاً بحق المتظاهرين والتعذيب في السجون بشتى الوسائل ومنها الإذلال الجنسي؟ أم أن الآثار أصبحت أغلى قيمة وأرفع شأناً من الإنسان؟
وحتى إذا سايرنا الأزهر في حصره المسألة في الآثار فقط، فإننا نتساءل: لماذا لم يُبدِ "قلقه البالغ" إزاء ما يتعرّض له المسجد الأقصى منذ سنوات طويلة من محاولات تقويض أساساته من خلال الحفر تحتها بحثاً عن الهيكل المزعوم؟ أليس هذا المسجد أثمن من تدمر لأنه يحمل قيمة عظمى للمسلمين باعتباره أول القبلتين وثالث الحرمين وليس مجرد مسجدٍ أثري؟
إذا كانت تدمر تنتظر "مصيرا مظلما" على يد "داعش"، و"الإنسانية بأكملها" مدعوّة لإنقاذها، كما يقول الأزهر، فإن الأقصى ينتظر بدوره "مصيراً مظلماً" من الصهاينة، مسؤولين ومستوطنين؛ فالجميع متفق على ضرورة تقويضه وتهديمه وإقامة الهيكل المزعوم بدله، والمفترض أن تلتفت "الإنسانية بأكملها" إليه وتضغط على الصهاينة لإيقاف جريمة الحفر تحت أساساته والسعي لتهديمه، وإن لم تفعل فالمطلوب أن يتحرّك المسلمون لإنقاذه قبل أن يفوت الأوان ويُهدّم المسجد.
الأقصى لا يتعرّض للتقويض من الصهاينة فحسب، بل أيضاً إلى النسيان من العرب والمسلمين، وفي مقدمتهم الأزهر الذي كان ينبغي أن يقوم بدوره الحضاري الإشعاعي وينير عامة المسلمين ويوجّههم إلى الطريق المستقيم ويقود طلائع تحرير الأقصى والمقدسات الإسلامية، عوض أن يتحوّل إلى مجرد أداة في أيدي الانقلابيين لطرد الطلاب الرافضين للانقلاب وحرمانهم من إكمال دراستهم الجامعية ومن ثمة المساهمة في الزج بهم في السجون، وبئس هذا الدور القذر الذي أصبح يؤديه الأزهر، وهو الذي كان يوماً منارة يهتدي بها المسلمون في العالم كله.
منقول