الإسلام دين ودولة يهتم بأمور الآخرة بالقدر الذي يهتم به بأمور الدنيا، وعظمته نابعة من عظمة الله الذي كمّله ورضيه للناس دينا، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فقد انحرف عن الفطرة السليمة، وترك الطريق المستقيم، طريق الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال مولانا في كتابه الكريم : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [سورة المائدة الآية: 3]. وقال أيضا ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ [سورة آل عمران الآية: 85].
وما أصاب المسلمين من هزائم في جميع مجالات الحياة اليوم إنما مرجعه أساسا إلى ابتعادهم عن هدي الإسلام وتركهم العمل بمنهاجه، ولهثهم وراء مناهج أرضية مادية غربية تبني الدنيا الفانية بغير قسطاس مستقيم على حساب الآخرة السرمدية..!
والغريب أن بعض المحسوبين على الإسلام أشد عداوة له من الذين هادوا والذين أشركوا، بل وتجد منهم من يتفنن في رمي الإسلام بأبشع الأوصاف وأقذر الاتهامات، ويعلن صراحة أنه غير صالح لأن يحكم الناس في عصرنا أو يسوسهم بأحكام القرآن، هذا الكتاب المحكم الذي أنزله الخالق المنان، فانظر كيف سولت لهم أنفسهم المتخذة للهوى إلها التشكيك في قدرة الله على التشريع لعباده الذين خلقهم ورزقهم، وبالمقابل يثقون ثقة عمياء في سكير غربي مناع للخير، معتد أثيم، عتل ثم بعد ذلك زنيم، شرع أحكاما لقومه الذين هم على شاكلته..!
إن هؤلاء السماسرة المحسوبين على الإسلام حين يتحدثون عنه يفقدون العقل والمنطق، ولا يتورعون عن الكذب باسم العلم والتنوير والحداثة وما وراء الحداثة ليرسموا صورة مشوهة عن الدين الإسلامي الحنيف حتى يزدريه الناس، ولكن الله متم نوره رغم أنوفهم، لأن الأرض يرثها عباده الصالحون { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[سورة الأنبياء الآية: 105].
وهذا ما رأته بصيرة رجل- ذات يوم- ليس من المسلمين وهو الكاتب الروسي "تولستوي" حين قال:"شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة".
وقد أنصف الإسلامَ العاقلون من الغربيين، وشهدوا له بالعظمة في هديه ومفاهيمه ونظامه وتشريعه، وقدرته الفائقة على تشكيل الإنسانية في أبهى صورها التي كان "المثاليون" يحلمون بها...
يقول الأديب ( برناردشو ) في كتابه "محمد": "إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائما موضع الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالدا خلود الأبد، وإني أرى كثيرا من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوروبا).
إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجة للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبة خارقة، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمَّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها".
ليت المسلمين يعرفون قيمة "المنهاج" الذي بين أيديهم، فيأخذوا الكتاب بقوة، ويسلكوا طريق الله الهادي إلى العزة والكرامة والنصر والرقي، فإنه الطريق الموصل إلى سعادتي الدنيا والآخرة..." لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".
جريدة البصائر 763