لقد عرفت القضية الفلسطينية منذ نكبة 1948 تقلبات كثيرة، ومرت بمسارات مختلفة، واستعان أبناؤها بإيديولوجيات متباينة لمقارعة العدو الصهيوني والقوى الإمبريالية التي تسانده وتدعمه وتلقي إليه بطوق النجاة، كلما ضيق عليه الخناق، وأشرف على الهزيمة،
ولعلهم اليوم أدركوا أن حرب التحرير الحقة، تتطلب أن يتخلى الجميع عن انتماءاتهم السياسية، وأن يكون انتماؤهم الحق والوحيد، فلسطين وحدها، فإذا ما تم لهم ذلك تتهيأ لهم الظروف المواتية لشن حرب تحرير حقيقية، تحظى بمساندة وتأييد كل الفلسطينيين، تماما مثلما حدث في الجزائر، التي لم تندلع فيها حرب التحرير الكبرى إلا بعد أن تم التخلي عن أساليب النضال السياسي، والتركيز على هدف واحد وهو تحرير الجزائر واعتماد منهج واحد وهو الكفاح المسلح، واستبعدت كل الأساليب والمناهجالأخرى في مقارعة المحتل الفرنسي الغاصب، وما انتهى الجزائريون إلى هذا القرار، إلا بعد أن تبين لهم أن المحتل كان يستغل تعارض ايديولوجياتهم واختلافاتهم الحزبية، لضرب جهودهم، وإحباط مساعيهم، ولعل أحداث الثامن ماي 1945 هي التي كشفت للمناضلين الجزائريين أن فرنسا تتلاعب بهم وتراوغهم، فقر قرارهم على تبني منهج الكفاح المسلح دون سواهم لاسترجاع الحقوق المغصوبة والحرية المسلوبة، وها هو الأمر يتكرر مع فلسطين اليوم، فلا التيار العلماني استطاع أن يقدم شيئا للقضية الفلسطينية وكذلك هو الحال مع التيار الإسلامي، لكون التيارين مرتهنين لمن يدعمهما من القوى الإقليمية والدولية، أكثر من كونهما مسنودين من القوى الشعبية الداخلية، ولذلك وهنت قوتهما بسبب تغير الأوضاع الدولية واختلال ميزان القوة العالمية، فانهيار الاتحاد السوفيتي أفقد التيار العلماني سندا قويا، واحتلال العراق واشتعال الحرب في سوريا أفقد التيار الإسلامي المساندة الإيراني والسعودية، ولم يعد بمقدور حماس أو الجهاد الإسلامي ولا الجبهة الشعبية مجابهة العدو بصورة فعالة، مع نضوب الموارد وقلة النصير، ولذلك تعتبر الانتفاضة الأخيرة من الأهمية بمكان، لأنها أتت في وقت فشلت مساعي السلام مع الكيان الصهيوني فشلا ذريعا، وحوصرت غزة حصارا فعليا من جميع الجهات، مما يحول بين حماس وبين تحسين إمكانياتها القتالية، وكذلك هو الحال لبقية الفصائل القتالية الأخرى، وتحدي إسرائيل لكل القوانين والأعراف الدولية، مما يسم هذه الانتفاضة بطابع التصميم على أخذ المبادرة في توجيه دفة القضية الفلسطينية إلى الاتجاه الصحيح، ولعلها تمهد إلى قيام حرب تحريرية في الداخل الفلسطيني، وإن استطاعت فصائل المقاومة الفلسطينية أن تتناغم مع عناصر الانتفاضة وتمدها بالقيادات التي تحسن التخطيط والتنفيذ وأن تتدبر أمرها في تزويدها بما يلزمها من السلاح، فإنها ستنحو هذا المنحى وسيكون هذا هو العمل الذي يرحل اليأس ويبعث الأمل من جديد وينقل الكرة إلى الملعب الإسرائيلي ويصبح هو الذي يبحث عن حل لا الفلسطينيين بلا شك ولاريب...
منقول.