عبقرية الولادة والنشأة
ولد الرسول (صلي الله وعليه وسلم) بمكة في
دار جده عبدالمطلب يوم الاثنين من ربيع الأول عام 571م من والدته آمنة بنت
وهب، وكان والده عبدالله في الرابعة والعشرين من عمره عندما تزوج والدته،
ولم يقم طويلا معها حيث خرج في قافلة
تجارية إلي الشام، وترك زوجته حاملا
وعند عودته بالقافلة دخل مدينة (يثرب) ليستريح عند أخواله ولكنه مرض وتوفي
وعمره 26 عاما ودفن بها، وبذلك ولد الرسول(صلي الله وعليه وسلم) يتيم
الأب من عائلة فقيرة، فكل ماتركه والده من
أموال هو خمسة من الإبل، وقطيعا
من الغنم، وجارية هي »أم أيمن« حاضنة الرسول(صلي الله وعليه وسلم) عند
ولادت
ه، وقد سماه جده عبدالمطلب محمدا
.
وهنا تتضح عبقرية الولادة في أن
يكون ذلك الطفل من عائلة فقيرة يتيم الأب يستطيع أن يؤثر علي مايقرب علي
مليار وربع
مليار نسمة من سكان العالم الآن، فلو ولد من عائلة ملوك لكانوا
ساعدوه في نشر دعوته، ولكنه ولد فقيرا لم يساعده في
نشر دعوته إلا الله
سبحانه وتعالي
!
محمد يتيم الأبوين
وعاش الرسول (صلي الله وعليه
وسلم) في بني سعد حتي الخامسة من عمره، وعندما بلغ السادسة من عمره في عام
576 م خرجت به والدته لتزور أخواله في يثرب ولزيارة قبر زوجها، وبعد شهر
عادت، وفي منتصف الطريق مرضت
ودفنت في قرية »الأبواء«، وبذلك أصبح
محمد(صلي الله وعليه وسلم) يتيم الأبوين، ومن هنا كانت عظمة الرسول(صلي
الله وعليه وسلم) وعبقريته في نشأته في أن يتحمل فيما بعد رسالة سماوية
باختيار الله له بأن ينزل عليه الوحي وهو يتيم
الأبوين، وكانت نعمة الله
كبيرة علي ذلك اليتيم الفقير، وقد ورد ذلك في سورة الضحي: { أَلَمْ
يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَي (٦)
وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَي (٧) وَوَجَدَكَ
عَائِلاً فَأَغْنَي (٨) فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا
السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ (٠١) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
فَحَدِّثْ(
١١)ّ {^}.
وبعد وفاة جده وعمه سلك محمد (صلي الله وعليه وسلم)
في عمله رعاية الأغنام، ولم يعلمه أحد القراءة والكتابة لأنه نشأ
فقيرا
وعاش فقيرا، والعبقرية التي تصل إلي حد المعجزة هي: كيف لهذا الفقير الأمي
أن يقيم دولة فيما بعد تناطح أكبر
الإمبراطوريات في ذلك العصر: الرومانية
والفارسية
رحلته إلي الشام
في رحلة الرسول(صلي الله وعليه وسلم)
الأولي إلي الشام مع عمه أبي طالب للتجارة وكان عمره 21عاما (سنة 582 م)
قابل الراهب بحيري النصراني وتناقش معه، وقد وجد فيه أمارات النبوة من
أحلامه وأقواله، وفي هذه الرحلة بنبوغ
الرسول(صلي الله وعليه وسلم) وذكائه
المبكر بالفطرة يعرف أخبار الرومان في الدولة البيزنطية وديانتهم المسيحية
، ويعرف الأخبار عن الدولة الفارسية وديانتهم المجوسية، رغم أنه لم يكن يقرأ
ولا يكتب
!
وتأتي كذلك عبقرية محمد(صلي الله وعليه وسلم) في نشأته، فرغم
صغر سنه وهو في الخامسة عشرة من عمره لم يخف أن
يشترك في الحرب ويساعد
أعمامه من »بني هاشم« وأهل قبيلته من »قريش« في الانتصار في حرب »الفجار«
ضد
أعداء قريش من قبيلة (هوازن
).
وفي العشرين من عمره في عام 590م حضر
(صلي الله وعليه وسلم) حلف الفضول رغم صغر سنه مع أعمامه لرجاحة
عقله
واتزانه لكي تتعاهد كل العائلات علي نصرة المظلوم ورد حقه مهما كان مركز
ظالمه وضعف قبيلة المظلوم
!
من مكارم الأخلاق
وعندما بلغ الرسول (صلي
الله وعليه وسلم) الخامسة والعشرين من عمره في عام ٥٩٥م كانت عبقريته في
كمال أخلاقه بين
أقرانه وبين قبيلة قريش، فكان من خلقه أنه كان أشد زهدا في
المادة، وعرف صدقه وأمانته وكرم أخلاقه، ولهذه الصفات
عرضت عليه السيدة
خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها) أن يخرج في تجارتها إلي الشام مع أحد
عمالها وهو (ميسرة)
وهي الرحلة الثانية للرسول إلي الشام، وتحكي كتب السيرة
أن هناك ملكين كان يظلان الرسول (صلي الله وعليه وسلم)
وعندما علمت السيدة
خديجة بذلك من »ميسرة« أخبرت ابن عمها ورقة بن نوفل (وكان نصرانيا)
فأخبرها بأنه سيكون
نبي هذه الأمة
!
وعندما وصل الرسول(صلي الله وعليه
وسلم) إلي سن الشباب والنضج ظهرت معالم شخصيته وعبقريته، فقد كان زاهدا في
المادة، وكان يميل إلي حياة التفكير والتأمل، وكان يتأمل حركة النجوم أثناء
الليل، وذلك الكون الكبير ويتساءل داخل نفسه:
من الذي صنعه.. هل هي قوة
عليا خارقة، ولم يتوجه إلي اللهو والملذات مثل أقرانه في سنه، ولكنه يذهب
إلي غار حراء
في شهر رمضان للتفرغ للتأمل، والتفكير، والعبادة، والبحث عن
الحقيقة، والتقرب إلي الله بالزهد
!
عبقرية الرسول العسكرية
كانت
عبقرية الرسول(صلي الله وعليه وسلم) العسكرية في الغزوات لخدمة الدعوة
الإسلامية والدفاع عنها، تجلي ذلك في
٦١ غزوة هي: الإيواء أو (ودان)، بواط،
العشيرة، بدر الأولي (سفوان)، بدر ، بني قينقاع، أحد، بني النضير، الخندق،
بني قريظة، بني المصطلق، بني خيبر، مؤتة، فتح مكة، حنين، و»تبوك
«.
وجميع
هذه الغزوات كانت للحصول علي حقوق المسلمين، وعبقرية الرسول(صلي الله
وعليه وسلم) العسكرية جعلته يكون
جيشا من المسلمين أصبح له قوة عسكرية يحسب
لها العرب من شبه الجزيرة العربية والقبائل المجاورة ألف حساب،
واستطاعت
الدولة الإسلامية الوليدة أن تبرم معاهدات سلام وعدم اعتداء بينها وبين
القبائل المحيطة بها، واستطاع المسلمون
أن يهددوا أهم الطرق التجارية لقريش
بين مكة والشام، ومن خلال عبقرية الرسول(صلي الله وعليه وسلم) العسكرية
كان
أهم ما تعلمته القوات الإسلامية هو أسلوب المخابرات العسكرية في إرسال
قوات استطلاعية إخبارية لمعرفة أخبار العدو،
وأسراره، وعدد قواته، وأماكن
تواجده، قبل حدوث أي اشتباك عسكري؟ ثم مطاردة »الفلول« الهاربة من قوات
القبائل
الكافرة!
إنسانية النبي (صلي الله وعليه وسلم
)
إن عبقرية
الرسول(صلي الله وعليه وسلم) في إنسانيته التي أجبرت كل من اتبعه علي
الإعجاب به واتباع رسالته لتلك
الإنسانية المتفردة التي بلا حدود، والتي
ظلت حتي وفاته في عام ٢٣٦م وحتي اليوم، وحتي يرث الله الأرض ومن عليها، إذ
يؤمن بالإسلام علي الكرة الأرض أكثر من مليار وربع مليار نسمة، وإن
إعجابهم بإنسانية الرسول (صلي الله وعليه
وسلم) أحد أسباب انبهارهم
بالإسلام
!
فتصرفات النبي كلها رحمة، ألم يقل (صلي الله وعليه وسلم) »ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء
«!
بل إن رحمة وإنسانية الرسول(صلي الله وعليه وسلم) ليست للإنسان فقط، بل هي تشمل الحيوان، وحتي مع الطفل وخاصة
(اليتيم) وأيضا اللقيط!
ومن
رحمته وإنسانيته أنه يدعو الجميع إلي التيسير في تحصيل الديون عندما يعجز
البعض عن سداد ديونهم: (من يسر
علي معسر في الدنيا يسر الله عليه في
الدنيا والآخرة)، وهذه أسمي عبقرية للنبي(صلي الله وعليه وسلم)، بل دعا
للتنازل
عن بعضها عند إعسار المدين
!
حماية أعراض الناس
والرسول في
عبقريته الإنسانية ينهي عن السباب والإيذاء للآخرين في مشاعرهم وجرح
كرامتهم، كذلك يدعو إلي حماية
أعراض الناس، كذلك تتضح في اختيار الله له في
أن ينزل عليه الوحي بالرسالة في العشر الأواخر من رمضان في عام
610 مونزل
عليه القرآن بالوحي في ٤١١ سورة منها ٦٨ سورة بمكة، و٨٢ سورة بالمدينة،
ولأن عبقريته الإنسانية فاقت
كل الحدود، لذلك اصطفاه الله من كل البشر
بالتبليغ بالرسالة المحمدية
كان يدعو([) للعدل بين الآخرين، وحرم إيذاء
الوالدين، وشهادة الزور، وعدم الرياء، والعفو عند المقدرة، والوفاء، وعدم
الخصام، والكمال في السلوك، والعمل المتقن، وحل مشاكل الناس، فعبقرية
الرسول(صلي الله وعليه وسلم) من الممكن أن
يكتب فيها مجلدات.. ومجلدات،
يكفي أن يقول القرآن عنه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، ويكفي أن تقول
السيدة عائشة
(أم المؤمنين) في إنسانية وأخلاق الرسول (صلي الله وعليه
وسلم): (كان خلقه القرآن)!
معجزات الرسول الإنسانية
وعبقرية
الرسول(صلي الله وعليه وسلم) في معجزاته المتعددة: الإسراء والمعراج،
وحفظه(صلي الله وعليه وسلم) وهو
أمي للقرآن وإعجاز القرآن، ومعجزة كبوة
جواد سراقة بن مالك، ومعجزة نزول المطر في غزوة الخندق، وانشقاق القمر،
والبركة في الطعام، ومعرفة الغيب، وشفاء الأمراض، فمعجزات الرسول(صلي الله
وعليه وسلم) كثيرة ومتعددة
.
أما عبقرية الرسول(صلي الله وعليه وسلم) في
تعدد زوجاته، فكانت من أجل خدمة الدعوة، فكل زوجة من زوجاته (الإحدي
عشرة)
كان لها هدف محدد من أجل خدمة الدعوة الإسلامية، وتقوية الدولة الإسلامية
بالحلفاء الذين كانوا بالأمس أعداء
للإسلام، وبعد زواج الرسول(صلي الله
وعليه وسلم) من أحد بنات هذه القبائل تحولت إلي الإسلام ومناصرة الدولة
الإسلامية
ضد أعدائها من كفار قريش، إلي جانب الحكم المتعددة من وراء تعدد
زوجات الرسول الكريم(صلي الله وعليه وسلم)، فلم
تكن زوجات الرسول(صلي الله
وعليه وسلم) من أجل الشهوة الجسدية كما يدعي بعض المستشرقين!!