من الغرائب التي تضحك وتبكي في نفس الوقت هي "الوطنية الزائدة" أو "الزائدة الوطنية" التي أصبح بعض الجزائريين يحتكرونها من دون باقي الجزائريين الآخرين، وينزعون هذه الصفة من كل من يعارض "السلطة المقدسة" أو يخالفها في المنحى السياسي العام الذي يسير في اتجاه واحد نحو هدف غير مجمع عليه من كل الجزائريين..!
ولهذا في كل "ديمقراطيات العالم" هناك "سلطة" وهناك "معارضة" ومن حق هذه الأخيرة أن تعارض في إطار القوانين بعيدا عن العنف، وتعرض على الأمة المشاريع في كل المجالات-ومنها المجال السياسي- لخدمة أفراد الأمة والرقي بمستواهم المعيشي، والحفاظ على مصالحهم، و"الصناديق الشفافة" هي التي تفصل بين الخيارات وتحكم على كل التوجهات فتعطي الشرعية لهذا أو ذاك...
إن "تخوين المعارضة" بالجملة لعبة قذرة لا تبررها أي غاية، واحتكار الوطنية ليست طريقة موفقة لفرض أطروحات سياسية ربما لا توافق عليها جماهير غفيرة من الجزائريين بدء من أبسط مواطن جزائري وانتهاء إلى ذوي الشأن من العلماء والأساتذة والمثقفين والخبراء على تنوع تخصصاتهم...
والمصيبة في تحوّل بعض وسائل الإعلام"المستقلة" إلى وسائل دعائية -على مذهب الإعلام المصري- تقتات من تشويه صورة هذا أو ذاك من المعارضة بانتهاج أسلوب التزوير والتحريف والتخويف وتكبير"الحبة" التي تصبح بعد ذلك "قبة" كما يقال في أمثالنا الشعبية..!
لا يختلف عاقلان على أن المساس بـ"الدولة" ومؤسساتها، خط أحمر، لا يجوز لأي جهة تعريضها للخطر أو هز أركانها لإسقاطها من أجل مصالح شخصية أو حزبية ضيقة لما يترتب عن ذلك من فتن وأضرار ومصائب تأتي على الأخضر واليابس، ويشقى بها البر والفاجر والصالح والطالح، ولكن بالموازاة مع هذا لابد أن لا نخلط بين مفهوم "الدولة" ومفهوم "السلطة" لأن الأول ثابت والثاني متغيّر، ومن حق المعارضة أن تنتقد "السلطة" وتختلف معها وتقوّمها إذا حادت عن الجادة...ولأن دور الشعب مهم في الفصل بين "السلطة" و"المعارضة" كانت"الانتخابات" التي لم تكن للأسف في عالمنا العربي وسيلة حقيقية لإبراز رأي المواطن بكل شفافية..!
إن المرحلة القادمة تحتاج من الجزائريين، على اختلاف توجهاتهم "سلطة" و"معارضة"، أن يُقدِّموا بين أيديهم "مصلحة الدولة الجزائرية" قبل أي مصلحة أخرى، وإن"التوافق الاجتماعي" الذي ينتج عن "الحوار" الحقيقي، مع وجود ضمانات حقيقية، هو المخرج من عنق الزجاجة حتى لا تضيع فرصة "التغيير الهادئ" الذي يريده الشعب الجزائري ويتمناه..!
جريدة البصائر