abdelouahed
عدد المساهمات : 778 تاريخ التسجيل : 26/04/2014 العمر : 58 الموقع : ولاية بشار
| موضوع: لماذا لا نقرأ التاريخ بقداسة كبيرة؟؟ الأربعاء يونيو 04 2014, 20:09 | |
| لا بد وأن الجزائريين يذكرون ماقاله الرئيس الفرنسي الأسبق "جيسكار ديستان" في العاشر من أبريل عام 1975 عندما حل بمطارنا: "فرنسا التاريخية تحيي الجزائر المستقلة"، فهل كان مدركا فعلاً لما قاله أم كان الكلام الذي تفوه به رئيس دولة مستعمرة لنا، هو مجرد زلة لسان مثل ما تعوّد عليه الفرنسيون، أم الأمر برمته متعلق بفهمه لحقيقة التاريخ كما قال شبنهاور: "التاريخ للأمم بمثابة العقل للأفراد.بكلّ تأكيد ويقين الفرنسيون يفهمون التاريخ الحقيقي، ويدركونه بعقولهم وقلوبهم، ويعملون جاهدين ليبقوا هم الأقوياء. لكن الحال مختلف جداً عندنا فبقدر ما نتحدث عن التاريخ، نهمل الإمعان فيه ونجعله مجرد حكايات وأساطير لا أقل ولا أكثر. فلا ندرس التاريخ بإمعان أو تدبر أو حتى قداسة لنفهم أنّ الأمم لا تدوم ولا تبقى على وجه الأرض إلا بتواصلها مع ماضيها، مع تقاليدها، مع مقوماتها، مع الأصالة التي تستمدها من التاريخ العميق. صحيح أننا بدأنا في الجزائر ننظر إلى التاريخ بعين فاحصة وقلب خافق ، لكن ليس كافياً بالمرة ما نقوم به حيال هذا التاريخ على الأقل لم نوفه حقه، التاريخ الذي هو متذبذب كثيراً لدينا ومشتت، وهناك من يسعى لبث السموم التشكيك في حضارتنا كجزائريين وكأمة لها تاريخ .وللوقوف على حقيقة فهم الفرنسيين للتاريخ، وفهم حقيقة ما قاله جيسكار ديستان في 1975 عن الجزائر المستقلة التي تحييها فرنسا التاريخية، أردت أن اقتبس من محاضرة للمرحوم المفكر الكبير "مولود قاسم نايت بلقاسم" عن حقيقة الفرنسيين وإدراكهم للمغزى الحقيقي للتاريخ سلطة وشعبا: "في 30 مارس 1983 خصص رئيس الجمهورية الفرنسية الراحل "فرانسوا ميتران" مجلساً للوزراء لنقطة واحدة فقط على جدول أعماله وهي دراسة التاريخ في فرنسا، واستعرض الظروف التي تكتنف الاهتمام بالتاريخ في التعليم، والإعلام، والأسرة، والمنظمات والمجتمع عموماً وقال لهم: "إني لمشدوه وحزين جداً للوضع الذي يعانيه الاهتمام بالتاريخ في فرنسا وأن أجهزة الإعلام مسؤولة بنفس الدرجة مثل رجال التعليم، ورجال التربية ورجال الثقافة والأسرة،" je suis abasourdi" " scandalisé" وغير ذلك من الصيغ والعبارات، وفي اليوم التالي أرسل بأحد وزرائه، كاتب الدولة في ذلك الوقت للتربية "روجي جيرار شفارتنبورغ"، وهو وزير التربية بعث به إلى إحدى ثانويات باريس ليحضر درسا في التاريخ، جلس في الصف الخلفي الأخير، عند الباب، وحاول الأستاذ أن يقدمه إلى الصف الأمامي، فرفض وقال: لا، أجلس هنا كأي تلميذ، وفي النهاية قال:"اسمحوا لي بكلمة واحدة فقط: "جئت إليكم هنا لأستمع معكم إلى دوي التاريخ، إلى ضجيج التاريخ، إلى صراخ التاريخ، إلى صياح التاريخ، إلى صوت التاريخ، عن أبطال المقاومة الفرنسية، عن أمجاد فرنسا، عن خلود فرنسا".كان ميتران قد بدأ قبل هذا، يوم مباشرة مهامه كرئيس الجمهورية،بمجرد أن سلمه جيسكار ديستان رئاسة الجمهورية، ولم يجلس على كرسيه، بل رافق جيسكار ديستان إلى سيارته وودعه، مع السلامة،وذهب رأسا مع وزرائه ومساعديه،لزيارة مقبرة عظماء فرنسا le panthéon في الحي الخامس، وساروا راجلين من الشانزليزي حتى البانتيون، راجلين ينشدون أناشيد وطنية وترافقهم السمفونية التاسعة لبتهوفن إلى أن وصلوا إلى: panthéon وقال "نحن الآن قد وصلنا إلى صرح الذاكرة الفرنسية، لمكافحة الذاكرة " لقد قال: "جئنا إلى هذا الصرح ،إلى هذه المقبرة، إلى عظماء فرنسا، لننغرس في التاريخ" " nous sommes venus pour nous enraciner dans l’histoire " .نعم هذه هي ذي فرنسا التي احتلت الجزائر ومارست عليها وعلى شعبها صنوف العذاب، فلماذا لا نقرأ التاريخ بنفس عقلية وذهنية الفرنسيين، ولما ذا نترك التاريخ جانباً يسطره من هو معاد لنا من غير الجزائريين.يقول مارك فيرو marc ferro في كتابه " كيف نعلم الأطفال التاريخ": "إن الإيديولوجية الرئيسية الأولى،في أي بلد، هي التاريخ، وهي الشيء الوحيد الذي يبقى عالقاً بأذهان الأطفال، ثم الكبار، فالشيء الذي أخذه الطفل في بيته وفي المدرسة الأولى هو الذي يؤثر على مجرى حياته فيما بعد، هو الذي يبقى، ولن يؤثر فيه أي شيء آخر فيما بعد. فالتكوين الأولي هو الذي يؤثر، هو الإيديولوجية الأولى.الطفل يأخذ الإيديولوجية من المنزل، مع حليب الأم ومع الأبجدية في المدرسة".إنّ التاريخ الذي نقصده هو ذاك التاريخ الذي نفهمه على حقيقته ويمدنا بالقوة لمجابهة المستقبل، ومواجهة التحديات الكبرى، ويبقى مدوياً عبر الأجيال. إن التاريخ الذي نرنو إليه هو التاريخ الذي يجعلنا سادة لا مسودين، قادة لا تبعا نجري وراء فتات الغير وفضلاتهم الحضارية.الجزائر غنية بتاريخها الأصيل، ولو نتمكن فقط من مسك خيط بداية المشوار فلن ننتهي من وضع جدران التاريخ لقرون.لأن تاريخنا ناصع بالبياض خال من أي سفك للدماء.بل نحن الأمة الوحيدة التي عانت الويلات وعانت من قهر الاستعمار لأكثر من قرن من الزمان، وقهر الأعداء على مر التاريخ.ولنا من أبطالنا من نستطيع أن نرافع من أجلهم وننشد الأناشيد الوطنية لأجلهم، وندون أفلاماً ضخمة توثق حياتهم لأجيالنا.حتى نعرف أننا أمة ليست لقيطة أو جاءت من فرز تاريخي أرعن، بل أمة لها جذورها ولها صداها عبر التاريخ الطويل.والعبء يقع على الدولة أول ما يقع ثم يأتي المثقفون، والإعلاميون، ورجال التربية، ورجال السياسة، وكل من له صلة بهذا الوطن الكبير. فلندرس التاريخ بكلّ حب، بل بكل تقديس وتطرف.منقول. | |
|