و هكذا تسلل من البوابة الرئيسية متأبطا شرا ، باحثا عن من تناهى إلى سمعه أنه كان سببا في توقيفه عن طلب العلم، فأحدث رعبا لا يوصف و هرجا و جريا في كل الاتجاهات، و طفق يجري وراء أستاذه المسكين بسيفه بعد أن لمحه من بعيد من خلال مشيته المتميزة، فجرى وراءه شوطا ساخنا، قاطعا طريقا ملتويا صعودا و نزولا، و الصياح يتعالى في كل مكان من أهل المدرسة... صغارها وكبــارها وجرى الرجال... منهم أيضا من اختبأ، و منهم من سعى إلى حماية صاحبهم الذي دخل في ركض هستيري لا يلوي على شيء، و الموت الزؤام قد اقترب منه...إنه يسعى وراءه يكاد يخطفه لولا أنه لم يكن من المدخنين، ولولا الساعة كما يقال و لطف الأقدار لفصل رأسه عن جسده، أو قطع نصفين بصارم بتار يلمع لمعانا يخطف الأبصار من طرف هذا الراغب في مسيرة طلب العلم بحد السيف، في اللحظة المناسبة و في لمح البصر دخل مكتب الناظر و أغلق الباب من خلفه غلقا محكما بالسلاسل و الحديد كأنه و الله قد حضّر لمثل هذا اليوم، و رغم كثرة الركل و الضرب فيه ما أثّر فيه لحسن حظّه.
لم يكد عرق الطّرفين يجف حتّى جاء رجال الشّرطة، و قد سبقتهم قبل ذلك سيارة الإسعاف الّتي نقلت من أُغمي عليهم ممّن يربو عددهم عن العشرات، من مرهفي الإحساس الّذين ما اعتادوا على مثل هكذا مناظر إلاّ في الأفلام التّاريخية الّتي تحكي زمن السّيف و الرّمح قبل أن يأتي عصر الدّبابة والصّاروخ، حوصر صاحب السّيف الّذي بدت عليه الخيبة و عدم الرّضا، و لم يلبث أن استسلم و أخذ قسرا، و أُدخل إلى السّيارة بعد أن غُلّت يديه بالحديد، وأُخذت منه أداة الجريمة الّتي كادت أن تهزّ المكان وسيق إلى حيث ستعاد عملية تربيته بعد أن فشلت المؤسسة حيث كان في المهمّة فشلا ذريعا.
هذه صورة واقعية لظاهرة استشرت في كثيرٍ من قلاعنا التّربوية، وتعبّر عن انفلاتٍ غير مسبوق يبدو بأشكال و صوّر متعدّدة، فهذا تلميذٌ مرّغ بأستاذته الأرض لأنّها تجرّأت و أمرته بالكف عن الغش في الامتحان، و هذه الشلّة قد أقامت حاجزًا للأستاذ المسكين الّذي قيّم مجهودهم و أعطاهم ما يستحقون وذاك و بضربةٍ رأسية أسقط بها النّاظر أرضًا لأنّه لفت انتباهه إلى غلق المئزر في ساحة المؤسسة... وهكذا هي عشرات الحالات الّتي لا تعبّر إلاّ عن تغلغل ثقافة العنف "الّذي يبدو أنّ الوقت قد حان أن يغيّر معسكره" في مدرسة اليوم ...هذه المظاهر الّتي ما كانت موجودة فيما مضى، يوم أن كان طالب العلم شيمته... "من علمني حرفا كنت له عبدا".
قلاعنا التّربوية بدأت تهتز أسسها أيّها السّادة والسّيدات... و هذه النّتائج باديةٌ للعيان، فيوم أخرجت السّيوف من أغمادها ومرغّ الأستاذ في ساحاتها، عند هذا الحد لابدّ من إعادة النّظر في كلّ ما له علاقة بالفعل التّربوي، فكلّ التّرميمات الّتي أُدخلت إلى حدّ الآن لم تزد الوضع إلاّ سوء، ولم تزد إلاّ في اتّساع الخرقة على الراقع، فبأيّ اسمنت قد رمّمنا؟ ومن أشرف على التّرميم؟ وأي دفتر أعباء سرنا على مواده؟؟
منقول