إنّ أخطاءنا عنوان بشريتنا التي لولاها لبدّلنا بغيرنا ليخطئوا فيتوبوا ... من أجل ذلك صار حري بنا أن ننظر إليها باعتبارها مكمّلة للصّواب المنشود وموصلة إليه، ونتيجة حتمية لسيرورة أفكار وآراء وجهد ... ممكن تغييرها في أي وقت كأي تجربة أخرى ... ولعلّ أولى مراحل هذا التغيير الاعتراف بها أمام النفس لأنّ التغيير يبدأ من هنا...
لكن إذا كانت هويّتنا تحدّد حقا بنظرة غيرنا إلينا فتلك الطّامة الكبرى، إذ ما عاد الإنسان قادرا على أن يتغيّر حتى وإن أراد ... فقط لأنّ غيره لا يريد ... حتى وإن كان هذا الغير أقرب الناس إليك ... فهو ليس أنت ...
إنّا في زمن طغت فيه الإطلاقية على كلّ شيء ، في الخطأ كما في الصواب ... فإن كنت مصيبا فأنت كذلك إلى أن تموت ... وإن كنت غير ذلك فأنت كذلك حتى بعد أن تموت ، وتناسينا أنّ بين هذا وذاك أصل وجودنا ... بل حياتنا بأكملها ، ألم نُخلَق لنخطئ فنتوب ، ونختلف فنتّفق ... لنحيا ثمّ نموت ؟..
فلما هذه الثبوتية في حكمنا على الأمور إذن ؟
ألم يخلق الله لنا عينين لنرى الأمر ونقيضه ، مختلفه ومتشابهه ... فلما عطّلنا إحداهما ... إذا فرحنا لا نرى غير الفرح وإذا حزنا لا يجد الفرح إلينا سبيلا ؟
ألا يمكن أن يكون للمخطئ بعض الصواب فنذكره ونحن في عزّ نشوة محاكمته على خطئه في حقّنا ... والانتصار عليه ؟
فإن لم يشفع له صوابنا أو ما نعتقده كذلك ، فلتشفع له أخطاؤنا ... لأنّا بشر مثله ، ولكلّ الحقّ في الخطأ ... وإلاّ صرنا مثله وإن ادّعينا غير ذلك ... وآتينا نفس خطئه وألبسناه لباس الصواب وهنا الخطر الأكبر ..
شكرا لكلّ من أخطأ في حقّنا فكان سببا في معرفتنا لأنفسنا، فأحْيَانَا بعد أن أماتَنا انتظارُنا صوابَه ، وما كنّا ندري أنّ خلاصنا في خطئه لا في صوابه ... لكن اعلم أنه إذا كنّا قد عذرنا خطأك فلتتفهم شغفنا بالصواب ... لكن لا تتأخّر ...