حديثنا عن الشمس التي أشرقت فعمت بنورها الكون كله ولكن البون بينها وبين شمسنا شاسع جداً فشمسنا تغرب وشمسه صلى الله عليه وسلم تبقى منيرة إلى قيام الساعة قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً)·
حديثا عن أروع قصص الحب ولكن من المُحب ؟ ومن المحبوب ؟ وما نوع الحب؟
أما المُحب فالشجر والحجر والجبل والسهل والحيوان والطير والحديث عن حب البشر له فشيء آخر وحديث آخر ما بالكم بحب أعين اكتحلت بالنظر إلى وجهه الكريم وآذان تلذذت بسماح حديثه، ما بالكم بحب من جالسه وعاشره صلى الله عليه وسلم لا شك أنه حبٌ لم يُشهد مثله على وجه البسيطة·
أما المحبوب فهو خير من مشى على الأرض وخير من طلعت عليه الشمس بل هو شمس الدنيا وضياؤها بهجتها وسرورها ريقه دواء ونفثه شفاء وعرقه أطيب الطيب أجمل البشر وأبهى من الدرر يأسر القلوب ويجتذب الأفئدة متعة النظر وشفاء البصر إذا تكلم أساخت له القلوب قبل الأسماع فلا تسل عما يحصل لها من السعادة والإمتاع كم شفى قلباً ملتاعاً وكم هدى من أوشك على الهلاك والضياع·
المحبوب هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم·
أما نوع الحب فيكفي أنه حب أنطق الحجر وحرك الشجر وأبكى الجذع وأسكب دمع البعير فما بالك بإنسان له جنان يفيض بالحب والحنان؟
فهيا أخي المبارك نتجول في بستان المحبة نختار من قصص الحب أروعها ونقتطف باقة عطرة من ذلك البستان الذي مُلئ بأجمل الأزهار وأعبقها:
القصة الأولى: الجذع يحن:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت) رواه البخاري·
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة من الأنصار أو رجل يا رسول الله ألا نجعل لك منبرا قال إن شئتم فجعلوا له منبرا فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه تئن أنين الصبي الذي يسكن قال كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها) رواه البخاري·
وزاد في سنن الدارمي بسند صحيح قال: (أما والذي نفس محمد بيده لو لم التزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حزناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم) فأمر به فدفن·
كان الحسن رحمه الله يقول: يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقاً إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه·
عن عمرو بن سواد عن الشافعي رحمه الله: ما أعطى الله نبياً ما أعطى محمداً فقلت: أعطى عيسى إحياء الموتى· قال: أعطي محمداً حنين الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذلك·
القصة الثانية: الحمامة تشتكي:
عبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ومررنا بشجرة فيها فرخا حمرة فأخذناهما قال فجاءت الحمرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصيح فقال النبي صلى الله عليه وسلم من فجع هذه بفرخيها قال فقلنا نحن قال فردوهما) رواه أبو داود والحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه
القصة الثالثة: الجمل يبكي:
عن عبد بن جعفر قال: (أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفا أو حايش نخل فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه ناضح له فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه وسراته فسكن فقال من رب هذا الجمل فجاء شاب من الأنصار فقال أنا فقال ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكاك إلى وزعم أنك تجيعه وتدئبه) رواه الإمام أحمد قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم·
عن يعلى بن مرة الثقفي رضي الله تعالى عنه قال: ثلاثة أشياء رأيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه قال فلما رآه البعير جرجر فوضع جرانه فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أين صاحب هذا البعير) فجاءه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بعنيه) قال: بل نهبه لك وإنه لأهل بيت مآلهم معيشة غيره قال: (أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه شكا كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا إليه) قال: ثم سرنا حتى نزلنا منزلا فنام النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له فقال: (هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول الله فأذن لها) قال ثم سرنا فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لها به جنة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنخره ثم قال: (اخرج إني محمد رسول الله) قال ثم سرنا فلما رجعنا من مسيرنا مررنا بذلك الماء فأتته المرأة بجزر ولبن فأمرها أن ترد الجزر وأمر أصحابه فشربوا اللبن فسألها عن الصبي فقالت والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك)· قال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين والطبراني بنحوه وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح وصححه الألبان·
* نماذج من حب البشر:
القصة الأولى: أبو بكر الصديق
عن عروة بن الزبير قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أخبرني بأشد ما صنعه المشركون برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال بينما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم )رواه البخاري
القصة الثانية: الصديق يبكي فرحاً:
قالت عائشة رضي الله عنها: (فرأيت أبا بكر يبكي وما كنت أحسب أن أحداً يبكي من الفرح)
القصة الثالثة: خشيت ألا أراك
روى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى أتى فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزل جبريل عليه السلم بهذه الآية: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء:69) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا عبد الله بن عمران وهو ثقة·
القصة الرابعة: أسألك مرافقتك في الجنة:
عن ربية بن كعب رضي الله عنه: (كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: (سل ) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة· قال :(أو غير ذلك)
قلت : هو ذاك قال: (فأعني على نفسك بكثرة السجود) رواه مسلم·
القصة الخامسة: كل مصيبة بعد جلل
روى ابن جرير الطبري في التاريخ عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأُحد، فلما نُعوا لها قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: خيرا يا أم فلان· هو بحمد الله كما تحبين قالت: أرنيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل· تريد صغيرة·
القصة السادسة: لا أرضى أن يشاك بشوكة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة وهو بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة فقالوا هذا تمر يثرب فاقتصوا آثارهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد وأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا قال عاصم بن ثابت أمير السرية أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر اللهم أخبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم خبيب الأنصاري وابن دثنة ورجل آخر فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن في هؤلاء لأسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعه بدر فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حين أتاه قالت فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي فقال تخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر وكانت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيبا فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب ذروني أركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين ثم قال لو لا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها اللهم أحصهم عددا
فقتله بن الحارث فكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرا فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم وما أصيبوا وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر فبعث على عاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسولهم فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا· أخرجه البخاري والنسائي وأبو داود
وفي بعض الروايات: فقال له أبو سفيان (أيسرك أن محمدا عندنا نضرب عنقه وإنك في أهلك ؟ فقال لا والله ما يسرني إني في أهلي وأن محمدا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه)·
القصة السابعة: الصديق يتمنى سرعة اللحاق
عن عائشة رضي الاه عنها قالت: إن أبا بكر رضي الله عنه لما حضرته الوفاة قال: (أي يوم هذا؟) قالوا يوم الإثنين قال : (فإن مت من ليلتي فلا تنتظروا بي الغد فإن أحب الأيام والليالي إليّ أقربها من رسول الله صلى الله عليه و سلم) رواه أحمد وصححه أحمد شاكر·
القصة الثامنة: لا يخلص إلى رسول صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله (( صلى الله عليه وسلم)) يوم أحد أطلب سعد بن الربيع فقال لي إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له يقول لك رسول الله ((صلى الله عليه وسلم)) كيف تجدك ؟ قال فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته وهو بآخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم فقلت يا سعد إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقرأ عليك السلام ويقول لك أخبرني كيف يجدك ؟ فقال وعلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) السلام قل له يا رسول الله أجد ريح الجنة· وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى رسول (صلى الله عليه وسلم) وفيكم عين تطرف، وفاضت روحه من وقته) رواه البخاري، 844، ومسلم 3408·
منقول