يتكرر الكلام في التربية ويزداد الحديث في التعليم ويتزايد الاهتمام بإتقان المعلم
لمهنته ويتقدم العالم من حولنا .. ونتقدم نحن ايضا ولكن بعيدا عن المقدمه !
فأين وصل عالم التعليم اليوم ؟؟ وفي اي واد نضيع نحن الوقت والجهد والمال؟!
عالم في اقصى الغرب يعتني بأدق التفاصيل في عملية بناء عقل التلميذ والعنايه
بسلوكه , وعالم في اقصى الشرق ينزل بكل ثقله في متابعة وقت التلميذ والاعتناء
بما يحصل ,ونحن في شرقنا العربي نتكلم اكثر مما نعمل !!
خلف كل جدار مدرسة قصص عجيبه ووراء كل باب فصل حكايات ,,, لايختلف
اثنان ان لكل عمل مشاقه الخاصه به ولكل مهنه وحرفه صعوبتها ونحن بصدد مهنة
بل حرفه لها ما يخصها من درايه وتتطلب خبرة ليس فقط بطرق التدريس
واستيعاب المنهج ووسائله بل ان هذه الحرفه تتطلب من صاحبها الارتقاء نحو حالة
متقدمه من الانجاز المتقن , وللتوجه نحو اتقان العمل ضرورات دفعتنا اليه .
لماذا اتقان العمل ضروره ؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-ضرورة اتقان المعلم لعمله لأنه مطلب ديني لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:
(ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه )
2-السير نحو خطوات سبقنا فيها العالم في مجال التربيه والتعليم سواء في الغرب او حتى
في اقصى الشرق فلم يعد مقبولا اليوم تجاهل ابداع الآخرين بحجة اننا أهل الريادة في التاريخ !!
ولله در المتنبي حين قال :
كن ابن من شئت واكتسب ادبا
يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من قال ها أنا ذا
ليس الفتى من قال كان ابي
3-الحالة التي وصلت اليها امتنا العربيه اليوم مع بداية القرن الحادي والعشرون الميلادي ,
هذه الحاله تقتضي الاستنفار نحو اتقان المعلم لعمله للنهوض بأنفسنا أولا ومن ثم سينهض أبناؤنا معنا .
والله تعالى يقول : (وماكان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين
ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون). سورة التوبة
4-اتجاه المعلم نحو إتقان عمله لأنه رصيد شخصي للإنسان ؛ حال كونه خالصا لوجه الله تعالى وهو رصيد
ايضا بين الناس , قال تعالى وأن ليس للإنسان إلا ماسعى وأن سعيه سوف يرى ) سورة النجم
5-البحث عن الأفضل يدفعنا الى إتقان المعلم لمهنته لأن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ,
وقال تعالى أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) فيجدر بالإنسان المتطلع إلى النجاح ألا يقبل بالأدنى
بل يبحث عن الأفضل دائما .
ورحم الله ابا الطيب القائل
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم
كيف نفهم إتقان عمل المعلم ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-ليس من المقبول علميا حين نتحدث في موضوع إتقان المعلم لعمله أن يكون المعلم غير متمكن في مادته
لأسباب عديده من أهمها أمانة ممارسة المهنه فضرورة تأدية الأمانه تجعلنا مقبلين على التمكن من مادتنا العلميه
والله تعالى أمر يحيى عليه السلام قائلا يايحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا) سورة مريم
2-يلزم المعلم ابتداء وقبل الشروع في الإتجاه نحو اتقان حرفته أن يجري كل فتره مسحا لثقافته الإضافيه حول تخصصه
ليسهل عليه الإنطلاق نحو اتقان مالديه من رصيد علمي وما جد من جديد ليس فقط في مضمون التخصص ولكن في مسائل
تربط مابين تخصصه ومستجدات الحياة .
3-ليس الإتقان أن نضيف الجديد على خطوات العمل مع الطالب أو على عناصر الأداء اليومي للمعلم , بل الإتقان هو
تحسين طريقة الأداء .
عناصر إتقان المعلم لعمله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أهم عنصر في عملية إتقان المعلم لعمله هي سلامة العلاقة مع الطالب وهذه العلاقه لايلام الطالب فيها أبدا لسبب بسيط
وهو أن الطالب قاصر والمعلم راشد ؛ فيجدر عدم المساس بمشاعر الطالب ؛ لأن المشاعر والأحاسيس كالزجاج إذا كسر
من المستحيل إصلاحه , فيلزم المعلم أن يتجنب خدش الطالب بأية كلمة قاسية , لأن الكلمة القاسيه ستكون حاجزا بين المعلم
ونجاحه وإتقانه لعمله داخل الفصل .
2-حضور الهدف في ذهن المعلم واستيعاب جوانبه أمر أساس في المضي نحو إتقان المعلم لهذه الحرفه الشاقة
فليس صحيحا أن يتنحى المعلم في المناقشه البنائيه فيخرج عن الهدف الى هدف آخر بعيدا عن الدرس أو ربما خارج
المقرر كله !!
3-يجدر بالمعلم أن يستحضر الشواهد أو القصص على الدرس من الواقع قبل بدء الدرس ثم يقوم بذلك الدور خلال الدرس
دون إشعار طلابه وكأنه يستذكر معهم خواطر آنيه وهو ما نسمّيه حضور البديهة .
4-الاستدلال بأمثلة شخصية من حياة المعلم بشرط ربطها بالهدف ، دون الإسترسال فيها حتى لاينصرف ذهن الطالب إلى شخص
المعلم مهملا الفكرة والهدف من عرضها .
5-ربط الفكرة بمايمس مشاعر الطالب دون انفعال ، حتى تصل الفائدةُ المرجوَّة من عرض المعلم لتلك الفكرة ؛
وهذا الأمر وهذا الأمر يختلف باختلاف العادات والتقاليد وميول الطلبة من مجتمع لآخر .
مثال : لو قمتُ بالحديث حول (أهمية القراءة وضرورة رفع المستوى الثقافي عند الناس وأسهبتُ في ذلك)
فلن أرى إلاّ النعاس في عيون الطلبة
أما لو بدأتُ كلامي باختصار شديد حول الخلافات العائلية المؤديه للطلاق مثلا - وهو أمر منتشر - وبيَّنتُ (أن ضعفاً واضحاً
في ثقافة الناس حول العلاقات الخاصة بسبب قلة القراءة مما يؤدي إلى سوء التصرف في العلاقة مع الأخرين وخاصه العلاقه الأسريه
وأنه لابد من الإهتمام بالقراءة لإضافة معلومات للإرتقاء إلى التعامل الأفضل بيننا)
أعتقد أن ذلك سوف يبرز أهمية القراءة بشكل لن ينساه الطلبه .
6-ألا تشغلنا تطورات التكنولوجيا في الوسائل التعليمية عن التواصل المباشر مع الطالب ، فالطالب متأثر أولاً بشخص معلمه
ومهارات معلمه ومراقبٌ له بشكل دقيق .
7-الحذر من خلط المزاح بالجد لأن الطالب متأثر بسلوك معلمه فمن الوارد أن يقلده دون وعي . فنكون بذلك بدلا من ان نعلِّمه نكون
سببا في تفريطه بهذا الجانب ناهيك عن أن خلط المزاح بالجد سوف يفوِّت الفرصه على المعلم من أن يقوم بدوره المتقن في
إفادة طلابه والعمليه التعليميه بينهم
وقد قال جميل صدقي الزهاوي :
أنا لستُ من خلط المزاح بجدِّه
فالجِدُّ جِدٌّ والمزاحُ مُزاحُ
8-إبعاد الطالب عن المُشتِّتات والمُلهيات بإحتواء تركيزه فطلبةاليوم هم مشتَّتون بفعل البيئة التي نعيشها جميعاً .
وما أكثر الملهيات !!
فليس مقبولاً أن نزيد تشتتهم بملهياتٍ تصرفهم عن أهداف الدرس .
مثال لتوضيح علاقة المشتتات بالوسائل >>
الوسائل نوعان من حيث الثبات والحركة فلابد من جعل ماهو ثابت بارزاً في نقطة العرض ليكون في قلب النظر لدى الطالب
دون تكديس للوسائل ليصبح الفصل الدراسي أو قاعة التعليم أشبه بالمعرض !
ولكن تُعرض الوسائل حسب الحاجة ، وكذلك يكون الهدف من الوسائل المتحركة إيصال المعلومه للطالب والتأكيد عليها
لاتشتيته أو صرف إنتباهه بعيدا عن الهدف .
9-من المعروف تأثُّر زملاء الحرفة الواحده بعضهم ببعض ، والمعلمون هم بالطبع مشتركون في حرفة واحده ،
ولاشك ان بعضهم متأثر ببعض سواءً بالتقدم نحو الأفضل أو بالتقهقر في الأداء ،
ويهمني أن أدفع بنفسي وبزميلي للتقدم نحو الأداء المتقن وأن أختار من المعلمين صاحبا نحو إتقان هذه الحرفه
مثال : لو كان هذا المعلم مسوِّفاً لواجباته أو مهملاً لتحضيره فلن أسمع منه إلاّ الكلمات التي تحط من همتي
وعلى النقيض من ذلك إن كان المعلم مجداً وإنساناً لايؤجل عمل اليوم الى الغد فسوف أسمع منه مايدفعني نحو الحرص والعمل
ومع هذا الصديق يمكن أن أصبح صاحب أداء متقن .
والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ).
وصدق عدي بن زيد حين قال :
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردَ مع الردي
عن المرء لاتسأل وسل عن قرينه
فكـــلُّ قرينٍ بالمقـــــارن يقتــــــــدي
10-إضفاء الهدوء في الفصل ، ليسهِّل على المعلم أداء عمله بشكل متقن ؛ والهدوء في الفصل ليس مصدره الطالب بل مصدره المعلم
فالطالب يتفاعل مع الجو الذي يوضع فيه ويمكننا إضفاء الهدوء في الفصل بعدة طرق مع الحذر :
أ-تجنُّب المعلم لرفع الصوت والصراخ ؛ فكلما انخفض صوت المعلم خاصةً في أول الحصة الدراسية سيحاول الطلاب دون قصد
منهم الهدوء ولكن يراعى ارتفاع الصوت وانخفاضه بعد ذلك تبعا لمعنى الكلام في سياقه
ومن وصايا لقمان الحكيم لإبنه يقول الله تعالى :
(واقصِد في مَشيِِِِكَ واغضُض من صوتِكَ )سورة لقمان
ب-عدم مباشرة الحصه الدراسيه قبل سيطرة الهدوء على الفصل
ج-الحذر من اللجوء الى المكافأة مقابل التزام الطالب للهدوء لأن سلوك الطالب حينئذ سيحوَّل الى استجابة شرطية ، فلن يهدأ بعد ذل
إلا إذا قُدمت له مكافأة أو ربما يفتعل الطالب الفوضى كي يحصل على المكافأة .
أفكار مساندة لإتقان المعلم عمله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-التفريق وبشكل دقيق بين خوف الطالب من معلمه واحترامه له ، فمن نُربيه بأيدينا على الخوف ليس لنا أن نطلب منه التحلي بالشجاعه
وإبداء الرأي ! فأين القيمة المستفادة من أن يخافني تلميذي وينفذ كلامي وفي عمق نفسه لايُكِنُّ الإحترام لي ؟!!
مع ملاحظة أن الذي يخاف من أحد لايمكن أن يتعلم منه أو أن يحبه .
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من لم يعطف على صغيرنا ويعرف قدر كبيرنا )
ولم يقل يخف من كبيرنا !!
2-إن الأسلوب المتبع بيننا والذي يعد من التراث التعليمي عندنا هو حصر العمليه التعليميه بين درس يسرده المعلم فوق رؤوس تلاميذه
واختبار يحرق فيه اعصابهم !!
ومما لاشك فيه أن من إتقان المعلم لأدائه داخل الفصل ، التخلص من أمرين اثنين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ-تهميش دور الطالب في الفصل وانفراد المعلم في درسه وأفكاره وكأنه يتلو عليهم آيات من القرآن الكريم وعليهم التزام الصمت !
ب-تعجيز الطالب في أسئلة الاختبار ، وكأن المعلم المبدع هو من يصعِّبُ المادة على طلابه !
فعلى العكس من ذلك تماماً :
-المعلم الناجح والمتقن لهذه الحرفه العجيبه هو الذي يحرك طلابه ويثير في نفوسهم التساؤل وروح النقاش والحوار .
-المعلم المتفوق في هذه المهنة الشاقة هو الذي يعرض مادته بأبسط الأفكار للوصول الى الهدف ثم يضع اختباراته مراعياً الفروق
الفرديه بين الطلبه .
3-لانريد ان يكون عمل المعلمين في بلادنا العربيه اشبه بالارتجال او تسيير الامور على طريقة الاستسهال او ربما تسير في
بعض الاوقات بطريقة عفويه!! أقصد لم يعد مقبولاً في عالم يخطو خطوات مدروسه في العلم أن نسير نحن بالتعليم معتمدين على
تجارب شخصية !
إذن الأمر أكثر من جديٍّ ويحتاج إلى درايه وتخطيط .
4-من الأمور المساندة أيضا لإتقان المعلم عمله أن يكون كلامه ليناً مع الحفاظ على هيبته أمام طلابه ، فلابد من الحزم دون القسوة
والله تعالى يقول آمراً موسى وهارون عليهما السلام في اسلوب دعوتهما لفرعون :
(فَقُولاَ لَهُ قَولاً ليِّناً لعلَّهُ يتذكَّرُ أو يخشى) سورة طه
5-نحن الآن في أرض المعركه وفي أمسِّ الحاجه لزيادة عدد الأصدقاء وتقليل عدد الخصوم وكل عملنا اليومي مع الطالب والطالب هو
محور الأداء اليومي للمعلم فمن أجل الطالب وُضِع المنهاج ومن أجله جاء المعلمون ، فليس هناك مصلحه للمعلم الباحث عن إتقان عمله
أن يُعادي أحداً من طلابه .
قال زُهير :
ومن لم يُصانع في أمورٍ كثيرة
يُضَرَّس بأنيابٍ ويوطأ بمَنسِمِ
والمنسِم بكسر السن / طرف خف البعير
والمتنبي يقول :
ومن نكد الدنيا على الحُرِّ أن يرى
عدواً له مامن صداقتهِ بُدُّ
أخيراً ....
عوامل عامة تدعو المعلم للإتقان في حرفته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
1-لنكن واقعيين ونعترف أن مهنة المعلم رغم أنها من أشرف المهن إلا أننا نحن عرب اليوم بعموم مجتمعاتنا لانُعير للمعلمين أي اهتمام!!
فليتنا أخذنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الملائكة لتصلي على معلم الناس الخير )
ومع ذلك لايعذر المعلم أن يستسلم لواقع مفروض بل واجب المعلم أن يساهم في تصحيح نظرة المجتمع لمهنته بإتقانه لعمله ليسهم في
إعادة تشكيل هذا الفهم .
2-كثرة المدارس في التعليم العام والقطاع الخاص ، وازدياد الدعاية لها ولبرامجها ، أصبح أمراً متكرراً في السنوات الأخيرة
ناهيك عن كثرة عدد المعلمين وهذا الأمر يدعو المعلم لإبراز ماعنده من قدرات ليكون له مكانٌ حقيقي في بحر من التنافس اليومي
في هذه المهنة .
3-ضغوطات الحياة وارتباطات المعلم مع المجتمع تجعل منه إنساناً ذا رتابه (روتيني) ولعل هذا الأمر يدفع بالمعلم نحو إحياء
هذه المهنه في قلبه وجوارحه ، بعد أن أصبحت مرتبطةً بالحضور والإنصراف ورتابة الأداء اليومي ، ولايتم تفعيلها إلا بالقراءة والتدارس
مع زملاء المهنة ، وتفعيل الحوار مع المتخصصين وأصحاب الخبرة .