وهي من أعلى المنازل، وهي فوق منزلة الرضا وزيادة، فالرضا مندرج في الشكر، إذ يستحيل وجود الشكر بدونه·
وهو نصف الإيمان - كما تقدم - والإيمان نصفان: نصف شكر ونصف صبر·
وقد أمر الله به ونهى عن ضده، وأثنى على أهله ووصف به خواص خلقه وجعله غاية خلقه وأمره ووعد أهله بأحسن جزائه وجعله سببا للمزيد من فضله وحارسا وحافظا لنعمته وأخبر أن أهله هم المنتفعون بآياته واشتق لهم اسما من أسمائه فإنه سبحانه هو الشكور وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكورا، وهو غاية الرب من عبده وأهله هم القليل من عباده، قال الله تعالى: واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون وقال واشكروا لي ولا تكفرون وقال عن خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه وقال عن نوح عليه السلام إنه كان عبدا شكورا وقال تعالى: [ص: 233] والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون وقال تعالى: واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون وقال تعالى: وسيجزي الله الشاكرين وقال تعالى: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد وقال تعالى: إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور، وسمى نفسه شاكرا وشكورا وسمى الشاكرين بهذين الاسمين، فأعطاهم من وصفه وسماهم باسمه وحسبك بهذا محبة للشاكرين وفضلا·
وإعادته للشاكر مشكورا كقوله: إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ورضا الرب عن عبده به، كقوله: وإن تشكروا يرضه لكم وقلة أهله في العالمين تدل على أنهم هم خواصه كقوله: وقليل من عبادي الشكور وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام حتى تورمت قدماه فقيل له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفلا أكون عبدا شكورا ؟
وقال لمعاذ والله يا معاذ، إني لأحبك، فلا تنس أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك·
وفي المسند والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر بي واهدني ويسر الهدى لي وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شكارا لك ذكارا لك رهابا لك مطاوعا لك مخبتا إليك أواها منيبا، رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة صدري·
منقول