من العجب العجاب، وأغرب الغرائب أن يتعرض المسجد الأقصى المبارك للعدوان يوميا لتقسيمه ثم هدمه من تحته لبناء ما يسمى بالهيكل المزعوم والمسلمون في العالم على مرأى ومسمع من ذلك، وهم صامتون ذاهلون، لا يكادون ينطقون، ولا يعلمون أي شيء ولا يتحركون كأنهم من أصحاب القبور، والصهاينة في العالم يبذلون الأموال بسخاء ويتبرعون من أجل بناء هذا الهيكل وإقامته على أنقاض الأقصى الشريف، فهل ينفع اليوم أن نذكرهم بأنه القبلة الأولى، وأنه مسرى الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، ومعراجه، وأنه ثالث الحرمين الشريفين هذا كله لم يحرك هذه القلوب الهامدة، والنفوس الخامدة، وقد مللنا من ترداد هذه الحقائق، والقيم إن لم يكن لها أثرها في الواقع، تصبح كلمات لا معنى لها وأصواتا لا روح لها.
لماذا لا تتذكر الرجال الغيورين أصحاب الهمة والشهامة أمثال الملك فيصل، رحمه الله، الذي واجه الأمريكان، وأنه عازم على الصلاة في الأقصى فاغتالوه وأعدموا، ولماذا لا نتذكر الرئيس بومدين تغمده الله برحمته ومواقفه وأنه مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، هل انقرض أمثال هؤلاء الرجال، وانطفأت شعلتهم، وذهبت ريحهم؟
أصبح الصمت شاملا للحكام، والمحكومين والنظم والشعوب واشتغلوا فيما بينهم من حروب وتقاتل وخطوب، إنها لمأساة تدمى منها القلوب، ويصبح فيها الحليم حيرانا، والعاقل تائها.
تُرك الفلسطينيون وحدهم يقاومون ببسالة، ويرابطون رجالا ونساء، ويواجه الشباب العدوان بكل شجاعة، فيقتلون ويُقتلون ويعدمون في الشوارع، وفي بيوتهم وسجونهم هؤلاء المرابطات الثابتات من النساء الحرائر والأمهات الصابرات، وأبناؤهن يستشهدون في سبيل المسجد الأقصى ووطنهم فلسطين بكل إقدام، وأغلبهم شباب وشابات في ريعان الشباب وزهرته، إنهم لم يذلوا ولم يصمتوا ولم يخشوا إلا الله، في هذه الانتفاضة التي تتطور من مرحلة إلى أخرى ولا تنتهي إلا بتحرير وطنهم ومسجدهم المقدس، لا يفرطون ولنداء الأقصى يستجيبون إنهم فتية عقدوا العزم وتسلحوا بالحزم لا يرضون الهزيمة، ولا يقبلون الضيم مهما جيَّش الصهاينة من جيوش، وحشدوا من حشود ودججوا بالسلاح الفتاك.
إن هؤلاء الصهاينة لا يجدي معهم إلا المقاومة واستعمال السلاح، والأوطان لا تحرر إلا بالدماء، فعلى النظم الإسلامية والعربية أن تسند هذه الانتفاضة وأن تشد أزرها لا بالأقوال والخطب فإنها لا تجدي، ولكن بالمال والإعلام، والفعالية السياسية في المجتمع الدولي.
ولاشك عندي إن هؤلاء الصهاينة أخذ أمرهم يفتضح، وتفطن الناس إلى ما يقومون به من جرائم، وأنهم سبب هذه الحروب المشتعلة. إن الأمة لا تموت، وإن ماتت أنظمتها والتاريخ شاهد على أن هذه المنطقة مرت عليها الحروب الصليبية ثم الحروب الاستعمارية، وها هي اليوم تعود هذه الحروب بأسماء أخرى، والجوهر واحد، مصالح الأمم القوية هي المحرك، ومصالح المسلمين تضيع، ويتصدق بها بلا مقابل، إنها التبعية المذلة، والاعتقاد بأن استعمار الأمس هو الذي يحمي العروش، ودعوة الدول لقتل أهل الوطن هو الضامن لبقاء الطغاة، وتمكينهم من كراسي الحكم والتسلط فهل من يقظة وعقل؟
منقول