ليس للهمزة حرف خاص يصورها، وجرى العلماء على رسمها رأس عين هكذا (ء) على ألف أو ياء أو واو غالباً. والأصل الذي اتخذوه أن يجعلوها على الحرف الذي تسهل إليه إذا خففت فـ(رأس وبئر وسؤل) تسهل إلى (راسٍ وبيرٍ وسولٍ) فوضعوها لذلك على ألف أو واو أو ياء مراعاة لما تسهل إليه.
وقد عرا كتابتها إصلاح بعد إصلاح حتى آلت اليوم إلى سهولة، ويختلف اصطلاح بغض الناس عن اصطلاح بعض. ونحن إذا اخترنا فيما يجوز فيه أكثر من وجه الوجه الأقيس والأرعى للنطق تكون قد اختصرنا كثيراً من أحكامها، وآخر الاقتراحات المقدمة ما نشر في مجموعة القرارات العلمية (الجزء الثالث) لمجمع اللغة العربية في القاهرة. وسيبقى هذا الاقتراح أهلاً للعمل به إلى أن يبتكر مبتكر صورة واحدة للهمزة لا تتغير أينما وقعت، شأنها شأن بقية الحروف وقد تصلح صورتها هذه (ء) على أن يعالجها خطاط موهوب بما يجعلها تنسجم هي وصورة بقية الأحرف متصلة ومنفصلة.
ونحن إذا اعتمدنا إلى حد ما اقترح مجمع اللغة في القاهرة فلن يفوتنا أنه خالف في بعض المواضع مذهب مراعاة ما تؤول إليه بعد التسهيل، ويهوّن الأمر أن لهجة التسهيل تتضاءل في عصرنا وأن الاتجاه العام نحو تحقيق النبر في صورة الهمزة.
وإليك نص القرار مع شيء من التعليق أو الإِضافة التي لابدَّ منها:
أولاً - الهمزة في أول الكلمة:
1- ترسم الهمزة في أول الكلمة ألفاً توضع فوقها قطعة (ء) إذا كانت مفتوحة أو مضمومة، وتوضع تحتها القطعة إذا كانت مكسورة مثل: ((إن أَكرمني فسوف أُكرمه إِكراماً)).
2- وكذلك ترسم الهمزة ألفاً إذا دخل على الكلمة حرف نحو: فإِن وبأَن، ولأَنَّ، لإِنْ، ولأَلا، وأَإِذا.
ثانياً - الهمزة في وسط الكلمة:
1- إذا كانت ساكنة رسمت على حرف مجانس لحركة ما قبلها مثل: فأْس وبئر وسُؤْل.
2- إذا كانت مكسورة رسمت على ياء مثل: رُئي، ويئس ومئين.
3- إِذا كانت مضمومة رسمت على واو مثل: ((قرؤُوا، وشؤُون)) إلا إذا سبقتها كسرة قصيرة أو طويلة فترسم على ياء مثل: يستنبئونك، ويستهزئون، وبريئون، ومئون، ومئة، وستمئة.
4- إذا كانت مفتوحة رسمت على حرف من جنس حركة ما قبلها، فإِن كان ما قبلها ساكناً غير حرف مد، رسمت على ألف مثل: ((يسأَل، وييأَس، وجيأَة، وهيأَة)).
وإن كان هذا الساكن حرف مد رسمت مفردة: ((تساءَل، وتفاءَل، ولن يسوءَه وإن وضوءَه)) إلا إِذا وصل ما قبلها بما بعدها فترسم على نبرة مثل ((مشيئة، وبريئة، وإن مجيئك)).
5- تعتبر الهمزة متوسطة إذا لحق الكلمة ما يتصل بها رسماً، كالضمائر وعلامات التثنية والجمع مثل: ((جزأَيْن، وجزاؤُه، ويبدؤُون، وشيؤه)).
ثالثاً- الهمزة في آخر الكلمة:
1- إِذا سبقت بحركة رسمتْ على حرف مجانس لحركة ما قبلها مثل: يجرُؤُ ويبدَأُ ويستهزِئُ.
2- إِذا سبقت بحرف ساكن رسمتْ مفردة مثل: جزءٌ، وهدوءٌ، وجزاءٌ، وشيءٌ.
3- إذا سبقت بحرف ساكن وكانت منونة في حالة النصب رسمت على نبرة بين أَلف التنوين والحرف السابق لها إِذا كانا يوصلان نحو: بطْئاً، وشيئاً، فإِذا كان ما قبلها لا يوصل بما بعدها رسمت الهمزة مفردة مثل: بدْءَا.
كتابة الألف المتطرفة
كان القياس يقضي أن ترسم الألف المتطرفة ألفاً طويلة أينما وقعت، لأن الكتابة تصوير للنطق، واشتهر بهذا المذهب أبو علي الفارسي (-377هـ) أحد أعلام المئة الرابعة للهجرة، فقد كان يكتب مثلاً: (رمى مصطفى ثم ارتمى على الأرض) هكذا: (رما مصطفا ثم ارتما على الأرض) غير ملتفت إلى كون الألف ثالثة أو رابعة أو خامسة ولا إلى أصلها واواً كان أم ياءً.
ولكنه لم يتابع على هذا الأمور أهمها أن في التفريق إشارة إلى أصل الألف الذي انقلبت عنه، وهذا يعين على السداد حين التثنية والجمع في الأسماء وحين إضافة الفعل إلى الضمائر ويعصم من الالتباس والوقوع في الخطأ أحياناً كثيرة، حتى في الأحرف مثل إلى وعلى رسمت ألفهما مقصورة إشارة إلى أنهما تنقلبان ياء حين تضافان إلى ضمير مثل إليه وعليه.
وأحكام كتابة الألف سهلة يسيرة على كل حال وإليكها في عبارات جامعة:
أ- في الأسماء والأفعال:
1- الأَلف الثالثة المنقلبة عن واو تكتب أَلفاً طويلة في الأَسماء المعربة والأَفعال: عصا، شذا، خُطا، رُبا، دُجا.
غزا، نبا، سما، عفا، علا..
وما عداها يكتب بأَلف مقصورة أَي بياءٍ غير منقوطة:
في الأَسماء المعربة: مستشفى، مصطفى، دعوى، حِمى، فتى.
في الأَفعال: استشفى، اصطفى، ادعى، حمى، سعى.
والعرف الشائع منذ القديم استثناء ما ينتهي بياء قبل هذه الألف وكتابتها ألفاً طويلة حتى لا تجتمع ياءان في الرسم مثل: استحيا، أحيا، تزيّا. في الأفعال ومثل: الدنيا، الزوايا، الوصايا. في الأسماء.
ثم اصطلحوا على كتابة الأعلام من هذا الصنف منتهية بالياء حسب القاعدة القياسية مثل: يحيى، ريَّى تفريقاً بين العلم وغيره.
أما الأعلام الأعجمية المنتهية بالألف فتكتب جميعاً بألف طويلة مثل: بلجيكا، يافا، حيفا، داريا، زليخا، بحيرا، ريفييرا،.. إلخ إلا أربعة أعلام رسموها بالياء هي: موسى وعيسى وكسرى وبخارى.
2- في الأَسماءِ المبنية تكتب الأَلف المتطرفة أَلفاً طويلة مثل: إِذا، مهما، أَنا، أَينما، حيثما..
إِلا أَربعة أَسماءٍ جروا على رسم أَلفها أَلفاً مقصورة هي: أَنَّى، متى، لدى، الأُلى (سواءٌ أَكانت اسم موصول بمعنى الذين أَم اسم إشارة جمعاً لـ(هذا) ويزاد على الأَخيرة هاءُ التنبيه في الأَول وهمزة في الآخر فتصبح: (هؤلاءِ).
ب- في الحروف:
حروف المعاني المنتهية بأَلف ساكنة ترسم أَلفها طويلة مثل: لا، أَلا، كلاَّ، هلاَّ، لوما، لولا، ما، إذما.. إلخ.
إلا أَربعة أَحرف جروا على رسم أَلفها أَلفاً مقصورة هي: إلى وعلى وبلى وحتى.
تنبيه - المهموز إذا سهلت همزته فحذفت وكان قبلها ألف طويلة تبقى على رسمها الأول وإن كانت خماسية الأحرف أو سداسيتها في الأسماء والأفعال على السواء: فـ(تفيأ وقرأ واستقرأ والتجأ.. إلخ) تصبح بعد تسهيل الهمزة: (تفيا وقرا واستقرا والتجا) دون تغيير في الرسم، وكذلك الحال في الأسماء فـ(الحمراء والشهباء والمتوضأ والملجأ) إذا سهلت تبقى على رسمها الأول: (الحمرا والشهبا والمتوضا والملجا).
ص189.
هذا اقتراح المجمع، وقد جرى العرف مراعاة لحال الهمزة عند التسهيل أن ترسم همزة الكلمات الثلاث الأخيرة على نبرة (شبه الياء) هكذا: لئن، لئلا، أئذا، وأرى هذا الرسم فيهن أصلح. هذا وإذا اتصلت همزة الاستفهام بألف وصل في فعل أو اسم حذفنا ألف الوصل اكتفاء بألف الاستفهام فنقول في (اصطفى، واسمك) مثلا: (اصطفى أخوك لنفسه صديقاً؟ أسمك خالد؟).
وكذلك نفعل فيما بدئ: بـ(ال) التعريف مثل (الغلاء فاحش في بيروت).
فنرسمها في الاستفهام: (أَلغلاء فاحش في بيروت؟)، أما إذا مددنا همزة الاستفهام قبل الساكن فالأمر أوضح: (آلْغلاء فاحش في بيروت؟) وليس لقائل بأحد الوجهين تخطئة الوجه الآخر الآن.
قلت: لهم في تنظيم العرف الشائع في رسم الهمزة المتوسطة هذه الجملة: (ينظر إلى حركتها وحركة ما قبلها فتكتب على حرف مناسب أقوى الحركتين) وأقوى الحركات في هذا: الكسر فالضم فالفتح فالسكون.
قلت: كانوا قديماً قبل إيجاد التنقيط يزيدون ألفاً بعد ميم (مئة) فيرسمونها هكذا (مائة) حتى لا تلتبس بـ(منه)، فلما اخترع التنقيط زال الالتباس وارتفعت الضرورة. لكنهم جروا على إبقاء هذه الألف الزائدة حتى يومنا هذا. فجر ذلك على الناس وقوعاً في خطأ لا أصل له، وصرنا نرى كثيراً من العامة وبعض الخاصة يلفظونها بفتح الميم وتسهيل الهمزة يقولون: (ماية وستماية) فحرفوا اللغة. وإثبات هذه الألف اليوم خطأ فاحش تجب إزالته.
وبقيت (جيأة وهيأة) تكتبان بنبرة (جيئة وهيئة) حتى اليوم مراعاة لحال تسهيل الهمزة ولا داعي لذلك.
وبقيت (جيأة وهيأة) تكتبان بنبرة (جيئة وهيئة) حتى اليوم مراعاة لحال تسهيل الهمزة ولا داعي لذلك.
فإن أتى بعد هذه الهمزة ألف رسمت مدة هكذا: ملآن قرآن.
جرى العرف الشائع مراعاة حال التسهيل في (شيء) المضافة إلى الضمير فيرسمونها على صورة واحدة رفعاً ونصباً وجراً: (شيئُه، شيئَه، شيئِه) ولعل مراعاته أوفق. وكذلك إن كان الساكن قبلها يتصل بالضمائر مثل: هذا عبثُه، ويجيئُون، بريئُه وكذا بريئة.
فإن أتى بعدها ألف تثنية رسمت مدة هكذا: لم يبدآ. فإذا نون الاسم مثل (نبأ) منصوباً اكتفيت برسم التنوين هكذا: (قرأت نبأً) كما تفعل في (شربت ماءً).
مذهب الكوفيين في الألف الواقعة ثالثة أن ترسم ياء إذا كان أول الكلمة مضموماً أو مكسوراً ولو كان أصل الألف الواوَ مثل: الرُبى، والدُجى والعدى.. إلخ وما زال هذا الرسم جارياً على أسلات بعض الأقلام، مع أنه ليس له وجه ولا تعليل مقبول وهو مخالف للقياسن وإليك نقاشاً جرى في هذا الموضوع بين عالم كوفي يمثل هذا الرأي وعالم بصري ينصر القياس المطرد، لا يخلو إثباته من طرافة: ((حكي أن بعض الأكابر من بني طاهر سأل أبا العباس ثعلباً أن يكتب له مصحفاً على مذهب أهل التحقيق، فكتب (والضحى) بالياء، ومذهب الكوفيين أنه إذا كانت كلمة من هذا النحو أولها ضمة أو كسرة كتبت بالياء وإن كانت من ذوات الواو، والبصريون يكتبون بالألف، فنظر المبرد (من أئمة البصريين) في ذلك المصحف فقال: ((ينبغي أن يكتب (والضحا) بالألف لأنه من ذوات الواو، فجمع ابن طاهر بينهما:
فقال المبرد لثعلب: لم كتبت (والضحى) بالياء؟
فقال: لضمة أوله.
فقال: ولمَ إذا ضم أوله وهو من ذوات الواو تكتبه بالياء؟
فقال: لأَن الضمة تشبه الواو، وما أوله واو يكون آخره ياء، فتوهموا أنه أول واو.
فقال المبرد: أفلا يزول هذا الوهم إلى يوم القيامة؟!!))
إرشاد الأريب لياقوت 19/118
وانظر كتابنا (في أصول النحو) ص190 الطبعة الثالثة (مطبعة جامعة دمشق).
سواء أكانت ألفه ثالثة أم رابعة أم خامسة أم سادسة في الأسماء والأفعال.
منهم من يزيد على (الأُلى) الإشارية واواً بعد الهمزة تفريقاً بينها وبين ((الألى)) الموصولة فيرسم الإشارية هكذا: الأولى. ولا داعي لهذه الزيادة فالقرينة في الكلام هي الفارقة.