قضى الله أن يكون الناس أمما مختلفين، واصطفى أمّة الإسلام ليكونوا بالحق ظاهرين. ولا يزال الوثنيون يفخرون بأساطيرهم والكتابيون يسترشدون بأحبارهم ورهبانهم، فما بالها أمّة الشهود لم تعد وسطا؟ بل ما بالها أمّة التوحيد صار أمرها فرطا؟
سيقول أكثر القادة علينا ما آفتنا إلاّ علماؤنا، كلّما استشرناهم اختلفوا وكلّما دعوناهم لم يأتلفوا، فهم الألى بمذاهبهم شغلوا، وهم الألى عن علوم العصر غفلوا. وما حاجتنا نحن إلى واصل اعتزل بصريا، وما حاجتنا إلى حنبلي خالف شافعيا، بل ما حاجتنا إلى عبيدي قاتل خارجيا. عيوننا على غدنا وعلماؤنا يحيون في أمسنا.
وسيقول بعض العلماء منّا آفتنا من عامّتنا الألى علّمناهم وما رشدوا والألى فقّهناهم ولكنّهم جحدوا، ألسنا قد ذكرنا لهم أنّ الله واحد فرد صمد وأنّ خاتم الأنبياء هو محمّد؟ ألسنا قد نصحنا لهم بأنّ المسلم هو يصوم نهاره ويقوم ليله؟ وما حاجتنا إلى من يسألنا عن استثمار في مشاريع البناء، بل ما حاجتنا إلى من يسألنا عن بورما وأهلها الضعفاء؟ إنّما كلّفنا بالآجلة والناس يطلبون العاجلة.
وسيقول فئات من عامّة المسلمين ما آفتنا إلاّ من طغاة سلبونا حقّ الحياة، ومن دعاة لم يذكرونا إلاّ بما بعد الممات؟ ولو أنّهم تركونا وشأننا لعرفنا ربّنا من غير جدال ولأخذنا نصيبنا من الدنيا من غير قتال. أليس الدعاة والطغاة حين اختلفوا أوقدوا لهبا وجعلونا له حطبا؟ لو أنّهم اتفقوا لما احترقنا واحترقوا.
وستقول الأيام ما تنازع قوم أمرهم إلاّ تسلّط عليهم عدوّهم ومسّتهم البأساء والضراء، وليت أمّة الإسلام أخلصت توبتها وردّت إلى كتاب الله حكمها واتّبعت سنة نبيها، إذن لعلم كلّ امرئ ما له وما عليه، ولعلم الحاكم والعالم والمحكوم المتعلم أنهم الأمة إن صدقوا وهم الغمّة إن افترقوا.
أيكون عزّنا في ماضينا أحاجي نحكيها، أم تكون عاديات نمتطيها، فنعيد في أنفسنا معاني الانتماء ونحرص في أفعالنا على معاني البناء ونطلب في مآلنا معاني الرضاء، ويومئذ يكون لأمة الإسلام الحق في قيادة الأنام.
ولكنّها اليوم إذ لم تعد رائدة فهي على نفسها شاهدة، أنّها لما اختلفت ابتليت ولمّا غفلت فتنت، ولن يكون لها موطئ قدم حتى تتخلص من عقدتها، ولن تكون لها الشهادة على الأمم حتى تفقه مقاصدها وتحمل أثقالها. والله وحده المعين.