نحن في شهر من شهور الله تعالى المباركة، وهذا الشهر الذي كان نبينا محمد يصومه إلا قليلاً، كما في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (لم يكن النبي يصوم أكثر من شعبان، فإنه كان يصومه كله)· وفي رواية: (ما كان يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان، كان يصومه إلا قليلاً)·
وقد ورد عن النبي في فضل هذا الشهر أحاديث كثيرة، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف، ومنها ما هو مكذوب (موضوع)· وكان مما أحدث الناس وبدَّلوا ما يعرف بالاحتفال بليلة النصف من شعبان، ولم يرد في فضل قيام هذه الليلة أو تخصيص صيام نهارها شيء عن النبي، ولا عن صحابته الكرام رضوان الله عليهم·
وقد ورد حديث حسن وهو ما رواه أبو موسى الأشعري عن رسول الله قال: (إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) [فظنَّ أقوام أن معنى ذلك زيادة عبادة في هذه الليلة وتخصيص نهارها بالصيام دون الشهر··· وما إلى ذلك مما أحدثوا، ونسوا أو تناسوا أن خير العبّاد والزهاد نبينا وقدوتنا محمد لم يفعل ذلك، ولم يخص نهار النصف من شعبان بشيء، وكذلك لم يخص ليلتها بزيادة قيام أو عبادة، وكل الخير في اتباع نبينا محمد وكل الشر في مخالفة أمره·
وكذلك الجيل الأول المخاطب بالقرآن الكريم وأحكام رب العالمين لم يكن يخص تلك الليلة بشيء ولا نهارها، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (جماع الدين أمران: أن لا يُعبد إلا الله، وأن يُعبد الله بما شرع)· فلا يجوز زيادة عبادة على عبادة النبي، كما هو معلوم عند أهل العلم·
أقوال العلماء في هذه الحادثة
وقال الإمام النووي -رحمه الله- في كتابه (المجموع): (الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب···، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا يغترّ بذكرهما في كتاب قوت القلوب وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما؛ فإن كل ذلك باطل· ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنَّف ورقات في استحبابهما، فإنه غالط في ذلك)·
- وقال العلامة ابن باز -رحمه الله- بعد أن ساق الأدلة على بدعية ذلك: (ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم، يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها، وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم، وليس له أصل في الشرع المطهر، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم)·
- وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: (إن الله تعالى لم يشرع للمؤمنين في كتابه ولا على لسان رسوله ولا في سنته عملاً خاصًّا بهذه الليلة)·
- وقال العلامة يوسف القرضاوي حفظه الله: (ليلة النصف من شعبان لم يأت فيها حديث وصل إلى درجة الصحة···)· وقال أيضًا: (أما ليلة النصف من شعبان فمعظم ما يفعل فيها من أشياء ليس واردًا، ولا صحيحًا ولا من السنة في شيء)· وقال في جواب عن تخصيص صيام أيام من شعبان: (··· أما أن يصوم أيامًا محددة، فلم يرد قط، وفي الشرع لا يجوز تخصيص يوم معين بالصيام، أو ليلة معينة بالقيام دون سند شرعي·· إنَّ هذا الأمر ليس من حق أحد أيًّا كان، وإنما هو من حق الشارع فحس
منقول