شيء عجيب وملفت للنظر، أنه كلما انبعثت مشكلة عنف وقتل، وتخريب في أنحاء العالم، أو في أرجاء الدنيا، سارعت بعض الأوساط الحاقدة إلى اتهام الإسلام الحنيف، وإلى التشنيع بالمسلمين، على أنهم المصدر لتلك الأفعال السيئة والمسيئة.
ومعتقداتهم المختلفة، ولهذا فلا يحق لتلك الأوساط الخلط بين ما يقع من أحداث انتقامية مدمرة هنا وهناك، وبين الدين الإسلامي الذي يندد بالعنف والإرهاب، وينبذ التطرف المؤدي إلى الكراهية وتصرف الهمجية المفسدة للنوايا والعلاقات، ونرى أن الدعوة الإسلامية من بداية انطلاقها اعتمدت في انتشارها منهج الجدال الهادئ المقنع، والحوار السلمي بالكلمة والحجة المؤثرة في القلب والعقل، ولهذا يقف مؤرخو المذاهب وأحداث الثورات والانتفاضات في حيرة وتأمل أمام سرعة انتشار تلك المبادئ الإنسانية الراقية التي حمل لواءها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وغير بها أوضاعا مفككة قاتمة، وقاوم بها مظاهر سلطان عقائد موروثة وتقاليد موغلة في القدم، وعادات تواضع الناس على المعاملات في ظلالها، رغم أن بعضها خاطئ ومضر، وكانت حيرة هؤلاء المؤرخين أشد أمام الزمن القصير الذي ثبتت فيه هذه المبادئ الإسلامية السمحة فأصبحت ملجأ للناس يرجعون إليه فيما يعرض لهم من مشكلات دنيوية ودينية، ومن العوامل التي أعانت على السرعة في هذا الانتشار والثبات طغيان الفساد الذي ظهر في البر والبحر، والذي هيأ النفوس والعقول لاستقبال الدين الجديد الذي جاء يغير المعتقدات والعادات والتقاليد القديمة البالية، ويحرر من عبادة الأوثان والأصنام التي يصنعها الناس ثم يقدمون إليها القرابين، مع محافظتهم على إهدار حقوق الضعفاء والاعتداء عليهم بدفعهم إلى العزلة والحرمان، والسيطرة عليهم بقوة الأموال الأمر الذي يشعل نار الفتن، وهذا موقف يجعل الصراع شديدا، وقد كانت كثرة وحماقة المظالم من وراء أسباب إقبال الضعفاء على الاحتماء بالمبادئ الإسلامية، من كل حيف وجور، وقد أسرعوا إليها واطمأنوا إلى توجيهاتها المشرقة، فرارا من التهديد والتعذيب والمعاملات الاستعبادية القاسية، ولم ينتهجوا طريق العنف والإرهاب والقتل والتخريب، وإنما اتبعوا منهج الحوار والإقناع واعتماد الحجة البالغة القائمة على التحليل والتعليل.
ومن الواضح أن الإسلام دعا إلى عبادة إله واحد لا شريك له، وبذلك أنقذ المؤمنين من الضلال وأقام بينهم المساواة، فلا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح المفيد، وبذلك تتضح بعض أهداف الدين الإسلامي، وهي إقرار السلام في الأرض جمعاء وإثراء الجدال والإقناع، وإشاعة الأمن والعدل والحرية على أوسع نطاق ممكن، قال تعالى في الآية (190) من سورة البقرة:{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}والمسلم كما جاء في أحاديث نبوية شريفة: "من سلم الناس من لسانه ويده" فالمسلمون أهل سلام وأمن، وإذا اضطرتهم الظروف إلى القتال فمن أجل الدفاع عن أنفسهم وأموالهم، ولهذا فلا داعي لإقحامهم في الأعمال الهدامة والشنيعة: من خطف وقتل وتعذيب وترويع للأبرياء والضعفاء، وقد أسرع الناس إلى اعتناق الدين الإسلامي لكي يستظلوا بعدله، ويحتموا به من ظلم الحياة والأحياء، وهرع الضعفاء والفقراء إلى مبادئه في العقيدة والعبادة والمعاملة، ليحررهم من أثقال العبودية ويمكنهم من حياة كريمة مفعمة بالخيرات والنعم.
ولئن كانت ألوان المظالم هي التي دفعت فئة الضعفاء إلى الاحتماء بالنظام الإسلامي الجديد، فإن تعاليمه وتنظيماته وخصائصه كانت جذابة بقوة، لأنها سايرت الأوضاع ومقتضيات الظروف المتغيرة والأحوال المتجددة، فقد تدرجت مع المستجدات تحرم الخبيث وتبيح الطيب من كل شيء، في القول والفعل، في الرأي والسيرة، في الكلام والصمت.
وهذا التدرج ساعد على الفهم والإدراك والاقتناع والقبول أيضا، والسؤال هنا: من أين للإرهاب والعنف والخطف والقتل والتخريب أن ينتمي للإسلام الحنيف؟ وأية حجة مقنعة يعتمدها الحاقدون لإسناد الإرهاب والعنف والاعتداء إلى المسلمين؟
ولا يخفى على هؤلاء وغيرهم أن الإسلام جعل للمؤمن حقوقا وواجبات في مجتمعه، أما الحقوق فهي إطعامه من جوع، وتأمينه من خوف وتطبيبه من أمراض وتعليمه من جهل وهدايته إلى الحق، وصرفه عن الباطل، وأما الواجبات فمنها ألا ينفرد بالخيرات من دون الناس، وأن يدفع الحاجة عن المجتمع، ويرفع الظلم عن المظلوم، وهكذا فالمرونة والوضوح والروح الإنسانية الرفيعة في الدين الإسلامي الحنيف جذبت إليه الناس من كل فج عميق ووطن بعيد وقريب، من غير عنف أو قتل وتدمير، وما يحدث اليوم هنا وهناك قد تكون له أسباب اقتصادية بحتة، وقد تكون أسباب اجتماعية متراكمة، أو سياسية فئوية، على أية حال علمها عند الخبراء والمختصين في التحليل والتعليل وإصدار الأحكام الموضوعية، بناء على استنتاجات من الأوضاع الاجتماعية الراهنة في العالم.
منقول