قصة للاطفال
تاليف: سعاد خرموش
عام: 2008
لماذا تحلق يا أبي؟
ذََاتَ مَسَاءٍ دَخَلَتْ مَيْسَاءُ إِلَى الحَمَّامِ, فَوَجدَتْ وَالِدَهَا يحلق لِحْيَتَهُ, فَتَبَادَرَ إِلَى ذِهْنِهَا سُؤَالٌ بَرِيءٌ فَقَالَتْ: لِمَاذَا يَحْلِقُ جَمِيعُ الرِّجَالِ لِحَاهُمْ وَرُؤُؤسَهُمْ يَا أَبِي؟ فَقَالَ الأَبُ مُبْتَسِمًا: تَخَيَّلِي أَنَّ كُّلَ الرِّجَالِ لا يَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ ورُؤُوسَهُمْ مَاذَا سَيَحِّلُ بِهِمْ؟
ذََهَبَتْ مَيْسَاءُ وهِيَ تُفَكِرُ فِي أَشْكَالِ الرِّجَاِل والشَّعْرُ يُغَطِيهِمْ مِنْ رُؤُوسِهِمْ إِلَى أََخْمَصِ أَقْدَامِهِمُ, وأَخْبَرَتْ أُخْتَهَا الكُبْرَى بِذَلِكَ وَراحَتَا تَضْحَكَانِ لِمُجَرَدِ تَخَيُّلِهِمَا الأَمْرِ.
لَمَّا حَلَّ اللََّيْلُ, تَنَاوَلَتْ مَيْسَاءُ قِّصَةً تُطَالِعُهَا حَتَّى أّدْرَكَهَا النَّومُ, فَنَامَتْ والقِصَّةُ بَينَ يَدَيهَا.
وأَثْنَاءَ النَّومِ رَأَتْ مَيْسَاءُ حُلُمًا غَرِيبًا عَجِيْبًا, فَعِنْدَمَا خَرَجَتْ مِنَ المَدْرَسَةِ لِلِقَاءِ وَالِدِهَا لِيُقِلَهَا إِلَى المَنْزِلِ؛ فُوجِئَتْ بِكَوْمَةٍ كَبِيْرَةٍ مِن كُرَاتِ الشَّعْرِ الضَّخْمَةِ أَمَامَ مَدْخَلِ المَدْرَسَةِ.وَرَغْمَ هَلَعِهَا الشَّدِيدِ رَاحَتْ تُمْعِنُ النَّظَر,َ فَلَمَحَتْ بَعْضَ الآبَاءِ الذِينَ جَاؤا ِلأَخْذِ أَبْنَائِهِمْ.
تََسَاءَلَتْ مَيْسَاءُ...كَيفَ لِهَؤُلاَءْ الأَوْلاَدِ أَن يَتَّعَرفُوا إِلَى آبَائِهِمْ؟ لَرُّبَمَا كَانُوا وُحُوشًا أو لُصُوصًا يَخْتَطِفُونَ الأَطْفَالَ!!
وَقَفَتْ مَيْسَاءُ مُنْدَهِشَةً أَمَامَ مَنْظَرِ الأَوْلاَدِ وهُمْ يُفَتِشُونَ عَن آبَائِهِمْ حَتَّى أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَسْتَعْمِلُ كَلِمَةَ سِرٍ لِيَتَّعَرَفَ عَلَى أَبِيهِ, إِلاَّ مَيْسَاء فَقَدْ كَانَتْ الوَحِيْدَةُ التِي لَم تَتَّعَرَفَ عَلَى وَالِدِهَا. لَقَدْ غَطَّى الشَّعْرُ الأَلْبِسَةَ والأَحْذِيَةَ فَلَمْ تَشَأ المُخَاطََرَةَ ُوقَرَّرَتْ أَن تَعُود َبِمُفْرَدِهَا إِلَى المَنْزِلِ, مُتَوَكِلَةً عَلَى حِفْظِ اللهِ وسِتْرِهِ؛ ِلأَنَّ أُمَّهَا كَانَتْ تُحَذِرُهَا دَائِمًا مِنَ الغُرَبَاءِ رِجَالاً كَانُوا أَو نِسَاء.ً
وبَيْنَمَا كَانَتْ مَيْسَاءٌ تَسِيرُ بجانب الرَّصِيفِ لَمَحَتْ سَيَّارَةَ وَالِدِهَا قَادِمَةً...لَكِنَّهَا لَمْ تَلْحَظْ بِدَاخِلِهَا غَيرَ كُبَةِ شَعْرٍ.
تَوَقَفَتْ السَّيَارَةُ بِجَانِبِ الرَّصِيفِ وَفُتِحَ البَابُ, فَقَالَ الأَبُ: هَيَّا يَا مَيْسَاء اصْعَدِي...فَعَرَفَتِ الصَّوتَ وقَالَتْ: أَهَذَا أَنْتَ يَا أَبِي؟؟
أَجَابَ وَالِدُهَا: بَلَى... ومَنْ تُرَانِي أَكُون!!
رَكِبَتْ مَيْسَاء السَّيَارَةَ...ثُمَ سَأَلَتْ وَالِدَهَا مَرَةً أُخرَى: كَيفَ تَسْتَطِيعُ القِيَادَةَ يَا أَبِي...كَيفَ لَكَ أَن تَرَى الطَّرِيقَ؟ ثُمَ مَا سَبَبُ هَذَا الشَّعْرِ الكَثِيْفِ؟
فَقَالَ َوالِدُهَا: لَقَدْ قَرَّرَ جَمِيعُ الرِّجَالِ عَدَمَ حَلْقِ لِحَاهِمْ ورُؤُوسِهِمْ لاَنَّ الأَطْفَالَ لاَ يُحِبُونَ ذَلِكَ.
عَنْدَهَا رَاحَتْ مَيْسَاءُ تُفَتِشُ فِي المِحْفَظَةِ فَعَثَرَتْ عَلََى مِقَصٍ صَغِيرٍ, وأََخَذتْ تَقُصُ الشَّعْرَ المُحِيطَ بِعَيْنَيِ وَالِدِهَا, وكَمْ كَانَتْ فَرْحَتُهَا كَبِيرَةً عِنْدَمَا رَأَتْ وَجْهَ أَبِيهَا, واغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهَا, فَاسْتَيْقَضَتْ والدُّمُوعُ عَلَى وَجْنَتَيْهَا الصَّغِيرَتَينِِ.
مَسَحَتْ دُمُوعَهَا وَتَوَجَّهَتْ إِلَى المَطْبَخِ, بَعْدَ أَن سَمِعَتْ صَوتَ وَالِدَيْهَا, فَأَلْقَتِ السَّلاّمَ عَلَيْهِمَا وقَبَّلَتْهُمَا قُبْلَةً كَبِيرَةً ثُمَ قَالَتْ لِوَالِدِهَا: وَجْهُكَ جَمِيلٌ جِدًا يَا أَبِي...أَلَنْ تَحْلِقَ اليَومَ؟
اسْتَغْرَبَ الأَبُ مِن كَلاَمِهَا وقَالَ: مَا بَالُكِ والحِلاَقَةَ يَا مَيْسَاء, بِالأَمْسِ تَسْأَلِينَ لِمَاذَا أَحْلِقُ, واليَومَ تَسْأَلِينَ لِمَاذَا لا أَحْلِقُ!!مَا الأَمْرُ؟؟
ضَحِكْتْ مَيْسَاء ضَحْكَةً بَرِيئَةً ثُمَ قَالَتْ: عِدْنِي يَا أَبِي أَن تَحْلِقَ بِانْتِظَامٍ... ويُمْكِنُنِي أَن أُسَاعِدَكِ فِي ذَلِكَ!!